عنوان المقال: تاريخ إمارة بني مدرار بمركزية مورية
عبد الخالق كلاب
تأسست إمارة بني مدرار بسجلماسة عام 140هـ، وهي بذلك من أقدم الإمارات التي نشأت بالمغرب بعد الثورة المورية (123هـ/741م)، ففي سياق الثورة المذكورة، تبنى الثوار مذهب الخوارج أدلوجة لمواجهة الأمويين، وكان من بين هؤلاء الثوار أفراد من قبيلة مكناسة، قال ابن خلدون: "كان أهل مواطن سجلماسة من مكناسة يدينون لأول الإسلام بدين الصفرية من الخوارج لقنوه عن أئمتهم ورؤوسهم من العرب لما لحقوا من المغرب، وأسروا الامتناع، وماجت أقطار المغرب فتنة ميسرة" .
بعد نجاح الثورة المورية، افترق الثوار، عادت برغواطة إلى تامسنا، واتجهت مكناسة للاستقرار بالجنوب الشرقي بزعامة مدرار، وأسست مدينة سجلماسة عام 140هـ، قال صاحب الاستبصار: "ومدينة سجلماسة محدثة بنيت سنة 140 [757-758]، أسسها مدرار بن عبد الله، وكان رجلاً من أهل الحديث، يقال إنه لقي بإفريقية عكرمة مولى بن عباس، وسمع منه، وكان صاحب ماشية، وكان كثيراً ما ينتجع سجلماسة، وكان الموضع سوقاً يجتمع فيه بربر تلك النواحي، فاجتمع إلى مدرار قوم من الصفرية" .
وقد زعم الإخباريون أن مدراراً أندلسي، إذ ذكر أبو عبيد البكري أنه: "كان حداداً من ربضية الأندلس، فخرج عند وقعة الربض، فنزل منزلاً بقرب سجلماسة" ، وقال صاحب الاستبصار أنه كان: "رجلاً حداداً اسمه مدرار، وكان من ربضية قرطبة، خرج من الأندلس عند وقعة الربض، فنزل منزلاً بقرب سجلماسة، وموضع سجلماسة إذ ذاك سوق البربر بتلك النواحي، فأنشأ بها مدرار خيمة، وسكنها، فبنى الناس حوله، فكان ذلك أصل عمارتها" .
إن ما زعمه البكري وصاحب الاستبصار يعد وهماً خالصاً، لأن ثورة الربض حدثت سنة 202هـ زمن حكم الحكم الأول بن هشام المعروف بالربضي (172-180هـ)، واستقرار مدرار بموضع سجلماسة تم عام 140هـ، وبذلك فالفارق الزمني كبير جداً، فمدرار استقر بمجال سجلماسة قبل 62 عاماً من ثورة أهل ربض قرطبة، التي على إثرها طرد هشام المذكور عدداً من سكان الربض إلى بلاد العدوة والإسكندرية.
وذكر أبو عبيد الله البكري أن المكناسيين "لما بلغوا أربعين رجلاً، قدموا على أنفسهم عيسى بن يزيد الأسود [140-155هـ]، وولوه أمرهم، فشرعوا في بنيان سجلماسة، وذلك سنة أربعين ومائة" ، ثم قتلوه، وبايعوا أبا القاسم سمكو بن واسول المدراري، قال البكري: "فأول من وليها عيسى بن يزيد، ثم أنكر أصحابه الصفرية عليه أشياء، فقال أبو الخطاب يوماً لأصحابه في مجلس عيسى: السودان كلهم سراق حتى هذا، وأشار إلى عيسى، فأخذوه، وشدوه وثاقاً إلى شجرة في رأس جبل، وتركوه كذلك حتى قتله البعوض" ، أما ابن خلدون فذكر أن عزل عيسى بن يزيد كان بسبب تغير أحواله، بقوله: "ثم سخطوا أميرهم عيسى، ونقموا عليه كثيراً من أحواله، فشدوه كتافاً، ووضعوه على قنة جبل إلى أن هلك سنة خمس وخمسين ومائة، واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم سمكو بن واسول بن مصلان بن أبي نزول" .
وقد مرت إمارة بني مدرار بحقبتين تاريخيتين؛ تميزت الحقبة الأولى باستقرار سياسي دام قرناً ونصف (140-296هـ)، وحقبة ثانية (296-366هـ) تعرضت فيها الإمارة لحملات الفاطميين، لتسقط في النهاية تحت حكم زناتة.
-مرحلة الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي (140-296هـ)
نعمت إمارة بني مدرار باستقرار سياسي ورخاء اقتصادي تحت حكم بني مدرار، فبعد التخلص من عيسى بن يزيد، الذي دامت ولايته 15 عاماً، "ولوا أبا القاسم سمجو بن مزلان بن نزول المكناسي [155-168هـ]، فلم يزل والياً عليهم إلى أن مات فجأة في آخر سجدة من صلاة العشاء سنة ثمان وستين، فكانت ولايته ثلاث عشرة سنة" ، ثم "وليها ابنه أبو الوزير إلياس بن أبي القاسم [168-194هـ] إلى أن قام عليه أخوه أبو المنتصر اليسع فخلعه سنة أربع وتسعين ومائة" ، وقد كان اليسع [194-208هـ] "جباراً عنيداً فظاً غليظاً، فظفر بمن عانده من البربر، وذللهم، وأخذ خمس معادن درعة، وأظهر الصفرية، وبنى سور سجلماسة (...) وتوفي سنة ثمان ومائتين" ، ثم "ولي ابنه مدرار المنتصر بن اليسع [208-253هـ]، فلم يزل والياً إلى أن اختلف الأمر بين ولديه ميمون المعروف بابن أروى بنت عبد الرحمن بن رستم وابنه ميمون المعروف بابن ثقية" ، وقد ذكر ابن خلدون أن مدراراً مات إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين لخمس وأربعين من حكمه، وأقام ابنه ميمون [253-263هـ] في استبداده إلى أن هلك سنة ثلاث وستين ومائتين ، "ووليها محمد بن ميمون بن مدرار [263-270هـ] إلى أن توفي في صيف سنة سبعين" ، ثم "وليها اليسع بن المنتصر بن أبي القاسم [270-296هـ] إلى أن فر عنها لما تغلب عليها أبو عبد الله الشيعي في ذي الحجة، وذلك سنة سبع وتسعين ومائتين" .
وقد انعكس الاستقرار السياسي الذي نعمت به سجلماسة طوال قرن ونصف على أهل سجلماسة، وهذا ما وصفه ابن حوقل الذي زار المدينة عام 340هـ، بقوله: "وسجلماسة مدينة حسنة الموضع، جليلة الأهل، فاخرة العمل (...)، وأهلها قوم سراة مياسير، يباينيون أهل المغرب في المنظر والمخبر، مع علم وستر وصيانة وجمال، واستعمال للمرؤة، وسماحة ورجاحة" .
ويفسر الرخاء الاقتصادي، واعتدال أحول الناس، بالاستقرار السياسي، وبموقع سجلماسة التجاري، فسجلماسة كانت تربط السودان بشمال المغرب، وكانت أيضاً على مقربة من مناطق استخراج الذهب والفضة والنحاس؛ فكانت تبعد عن منجم معدن النحاس بيومين، قال أبو عبيد الله البكري: "من سجلماسة إلى تيمحمامين يومان، وفي تيحمامين معدن النحاس، ومن تيحمامين إلى وادي درعة يومان" ، كما أنها كانت على اتصال بتامدولت، التي ذكر اليعقوبي أن: "حولها معادن ذهب وفضة يوجد كالنبات، ويقال: إن الرياح تسفه" .
إضافة إلى ذلك، فموضع سجلماسة الذي يخترقه نهر جار، وفر لها ظروفاً ملائمة للإنتاج الفلاحي، فقد ذكر ابن حوقل أن: "سجلماسة مدينة حسنة الموضع (...) على نهر يزيد في الصيف كزيادة النيل في وقت كون الشمس في الجوزاء والسرطان والأسد، فيزرع بمائه حسب زروع مصر في الفلاحة، وربما زرعوا سنة عن بذر، وحصدوا ما راع من زرعه وتواترت السنون بالمياه، فكلما أغدقت تلك الأرض سنة في عقب أخرى حصدوه إلى سبع سنين، بسنبل لا يشبه سنبل الحنطة ولا الشعير بحب صلب المكسر لذيذ المطعم، وخلقه ما بين القمح والشعير، ولها نخيل وبساتين حسنة وأجنة، ولهم رطب أخضر من السلق في غاية الحلاوة" .
علاوة على ذلك، فسجلماسة كانت تتحكم في الطريق التجاري الرابط بين السودان وفاس وأغمات، مما جعل منها سوقاً تجارياً مطروقاً طوال السنة، ووفر لها الموارد المالية الضرورية، وحتم على باقي الإمارات ضرورة التعامل معها، وفي هذا الشأن قال ابن حوقل: "ومنها [فاس] إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة، وسجلماسة مدينة حسنة الموضع (...) وعن يسار طريق فاس إلى سجلماسة إقليم أغمات وهو رستاق عظيم فيه مدينة كثيرة الخير والتجارة إلى سجلماسة وغيرها، ومن سجلماسة إلى أغمات نحو ثماني مراحل ومثلها إلى فاس (...) ومن سجلماسة إلى أودغست شهران على سمت المغرب، فتقع منحرفة محاذاة عن السوس الأقصى، كأنها مع سجلماسة مثلث طويل الساقين أقصر أضلاعه من السوس إلى أودغست" ، وقال أبو عبيد الله البكري: "ومن مدينة سجلماسة تدخل بلاد السودان إلى غانة، وبينهما وبين مدينة غانة مسيرة شهرين (...) وبين سجلماسة ووادي درعة مسيرة خمسة أيام" .
وبفضل هذه الظروف عاشت إمارة بني مدرار بسجلماسة استقراراً سياسياً ورخاء اقتصادياً، إلى أن طرقها الخطر الشيعي الزاحف من الشرق، الذي أذهب استقرارها، وشرد أهلها، ونهب خيراتها.
-مرحلة التدخلات العسكرية الشيعية (296-366هـ)
تعرضت إمارة بني مدرار لثلاث حملات عسكرية شيعية، أجهزت على استقرار الإمارة، ونهبت خيراتها، ففي سنة 296هـ اقتحم أبو عبيد الله الداعي سجلماسة بجيوشه، وقتل أميرها، ونهب أهلها، وفي سنة 609هـ غزاها مصالة بن حبوس، وتقبض على صاحبها أحمد بن ميمون بن مدرار، وفي سنة 447هـ غزاها جوهر الصقلي، وأسر أميرها الشاكر لله، وبعد انتقال الشيعة من أفريقية إلى مصر سنة 362هـ، استغلت زناتة أوضاع سجلماسة المتردية، وسيطرت عليها سنة 366هـ، ووضعت حداً لإمارة بني مدرار التي عمرت 226 سنة.
-حملة أبو عبيد الله الشيعي 296هـ
ظهر الفاطميون على مسرح الأحداث السياسية في نهاية المائة الثالثة للهجرة، إذ سيطروا على أفريقية سنة 296هـ، وأقصوا الأغالبة، ثم توجهوا لمنازلة بني مدرار بسجلماسة في نفس السنة، وكان الداعي لذلك هو تصميم أبو عبيد الله الشيعي على منازلة بني مدرار لفك أسر أبي عبيد الله المهدي، الذي كان آنذاك هو وابنه القاسم في سجن اليسع بن المنتصر بن أبي القاسم (270-296هـ)، وقد وصف ابن الأثير أطوار النزال بقوله: "فأسرع أبو عبد الله في السير، ونزل عليه، فخرج إليه اليسع، فقاتله يومه ذلك، وافترقوا، فلما جنهم الليل هرب اليسع وأصحابه من أهله وبني عمه، وبات أبو عبد الله ومن معه في غم عظيم لا يعلمون ما صنع بالمهدي وولده، فلما أصبح خرج إليه أهل البلاد، وأعلموه بهرب اليسع، فدخل هو وأصحابه البلد، وأتوا المكان الذي فيه المهدي، فاستخرجه، واستخرج ولده (...)، وأمر بطلب اليسع، فطلب، فأدرك، فأخذ، وضرب بالسياط ثم قتل" ، وفي هذا الشأن قال ابن خلدون: "وخرج إليه اليسع في قومه مكناسة، فهزمه أبو عبيد الله الشيعي، واقتحم عليه سجلماسة، وقتله سنة ست وتسعين ومائتين، واستخرج عبيد الله وابنه من محبسهما، وبايع لهما" .
وبعد اقتحام العبيديين لسجلماسة، قاموا بتشريد أهلها، ونهب أموالهم، قال صاحب الاستبصار: "واستخرج [أبو عبيد الله الشيعي] أهل سجلماسة من مواطنهم، وقال لهم: لا يحل لكم أن تستوطنوا بلداً امتحن فيه الإمام، ففزعوا من سطوته (...)، فلما خرجوا معه أمر بسلبهم، ففتشوا كلهم رجالاً ونساء، وأخذ أموالهم، وصرفهم، وقيل إنه تحصل له من التبر ومن الحلي وقر 120 جملاً أدخلها رقادة" .
وبعد إخلاء سجلماسة، ونهب أموال أهلها، "ولى عبيد الله المهدي على سجلماسة غالب المراسي من رجالات كتامة" ، و"ترك معه خمس مئة فارس من كتامة" ، لكن الوالي الكتامي الشيعي لم يكن مرحباً به، "فقتله أهل سجلماسة، ومن كان معه من رجال الشيعي بعد خمسين يوماً" ، وبعد قتل عامل الفاطميين على سجلماسة، "وليها واسول وهو الفتح بن الأمير ميمون [298-300هـ]، وذلك في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين، وتوفي في رجب سنة ثلاثمائة (...) فولي أخوه أحمد [300-309هـ] إلى أن حاصره فيها مصالة بن حبوس، افتتحها عنوة، فقتله، وذلك في المحرم سنة تسع وثلاثمائة" .
-حملة مصالة بن حبوس 309هـ:
تعرضت سجلماسة لحملة عسكرية شيعية ثانية بقيادة مصالة بن حبوس سنة 309هـ، فبعد استقرار الفاطميين بأفريقية، شرعوا في غزو الغرب، واستنزال أمرائه، وفي هذا السياق أوفد أبو عبيد الله الشيعي قائده مصالة بن حبوس سنة 305هـ لحرب يحيى بن إدريس بن عمر، "فخرج يحيى مدافعاً لمصالة المذكور، فهزمه مصالة، ودخل يحيى مدينة فاس مهزوماً، فتحصن بها منه، فحاصره مصالة مدة إلى أن صالحه يحيى بمال، وكتب بالبيعة لعبيد الله الشيعي صاحب أفريقية، وارتحل مصالة راجعاً إلى أفريقية" ، ثم عاد مصالة لقتال يحيى المذكور سنة 309هـ، "فلما قدم مصالة الغرب في كرته الثانية، وذلك سنة تسع وثلاثمائة (...) فلما قرب من مدينة فاس، خرج إليه الأمير يحيى بن إدريس يسلم عليه في قوم من وجوه عسكره، فقبض عليهم مصالة، وقيد يحيى بالحديد، ودخل مصالة مدينة فاس، ويحيى بن إدريس بين يديه مقيد على جمل، فعذبه بأنواع من العذاب حتى أخرج إليه ماله وذخائره، فلما قبض مصالة الأموال، أطلقه، ونفاه إلى مدينة أصيلة" .
وفي حملته الثانية هذه، "زحف مصالة بن حبوس في جموع كتامة ومكناسة إلى المغرب سنة تسع وثلاثمائة، فدوخ المغرب، وأخذهم بدعوة صاحبه عبيد الله المهدي، وافتتح سجلماسة، وتقبض على صاحبها أحمد بن ميمون بن مدرار" ، وبعد ذلك "ولى مصالة أمرها المعتز بن محمد بن سارو بن مدرار [309-321هـ] إلى أن توفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة (...) ووليها بعده ابنه محمد بن المعتز [321-331هـ] إلى أن توفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة (...) ووليها ابنه أبو المنتصر سمجو بن محمد [331هـ] وهو ابن ثلاث عشر سنة، تدير أمره جدته، فمكث شهرين، وقام عليه ابن عمه محمد بن الفتح بن الأمير، فحاربه، وتغلب عليه، وأخرجه، وتملك سجلماسة" .
-حملة جوهر الصقلي على سجلماسة 347هـ
بعد وفاة أبي عبيد الله الشيعي (ت322هـ)، ثار أهل الغرب على الحكم الشيعي، وكان موسى بن أبي العافية قد بايع عبد الرحمان الناصر سنة 319هـ، وبسبب هذا التحول الذي كاد أن يزحزح أركان الدولة الشيعية، أرسل أبو القاسم الشيعي (322-344هـ) حملة عسكرية لمحاربة موسى بن أبي العافية، كان على رأسها ميسور، قال ابن خلدون: "ولما أغزا أبو القاسم ميسوراً إلى المغرب لمحاربة ابن أبي العافية حين نقض الطاعة، ودعا للمروانية" ، ومن حسن حظ بني مدرار بسجلماسة أن ميسوراً لم يطأ إمارتهم بسبب انشغاله بثورة موسى بن أبي العافية، قال ابن خلدون: "وانحل إلى حرب ابن أبي العافية، فكانت بينهما حروب إلى أن غلبه ميسور، فتقبض على ابنه الغوري وغربه إلى المهدية، وأجلى موسى بن أبي العافية عن أعمال المغرب إلى نواحي ملوية ووطاط وماوراءها من بلاد الصحراء، وقفل إلى القيروان (...) وأغذ السير إلى القيروان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة" .
وبعد ثورة موسى بن أبي العافية شُغِل أبو القاسم الشيعي (322-334هـ) بثورة أبي يزيد بن كيداد، "فلم يزل في شغل وحزن، وبعث الله عليه أبا يزيد مخلد بن كيداد، فقهره، وخرج عليه، وقتل جنوده، وقام المسلمون معه عليه" ، قال صاحب الاستبصار: "فقام عليه [أبو القاسم الشيعي] أبو يزيد مخلد بن كيداد (...) وكان على مذهب الصفرية النكار (...) وكان قيامه في أول سنة 332 [943] (...) وكان قد هزم أبا القاسم الشيعي، وهرب أمامه للمهدية، فوصل أبو زيد في أتباعه حتى ركز رمحه في الباب" ، وقال ابن عذاري: "وفي سنة اثنين وثلاثين وثلاث مئة اشتد أمر أبي يزيد بإفريقية حتى فر أمامه أبو القاسم الشيعي إلى المهدية من رقادة (...) قال ابن سعدون: فبعث الله على أبي القاسم الشيعي مخلد بن كيداد الخارجي، فقهره، وقتل جنوده، وقام المسلمون معه، وخرج الفقهاء والعباد مع أبي يزيد لحربه (...) فركبوا معه، فنهض إلى القيروان، فدخلها في صفر العام، وأظهر لأهلها خيراً، وترحم على أبي بكر رضي الله عنهما، ودعا الناس إلى جهاد الشيعة" .
وقد كادت الثورة المذكورة أن تقضي على الدولة الفاطمية حسب شهادة ابن حوقل أثناء حديثه عن مدينة المهدية بقوله: "أدركتها سنة ست وثلاثين (...) وقد اختلت أحوالها، والتاثت أعمالها، وانتقل عنها رجالها، بانتقال ملوكها عنها وبعدهم منها، وكان أول نحس أظلها أبو زيد مخلد بن كيداد، وخروجه بالمغرب على أهلها، وانثالت المناحس عليها إلى الآن، وقد بقي بها بعض رمق" .
وقد استغل محمد بن الفتح بن ميمون الأمير المدراري الملقب بالشاكر بالله (331-347) ضعف الدولة الفاطمية بسبب ثوة أبي يزيد مخلد بن كيداد، فاستقل بسجلماسة، واعتنق مذهب السنة، ونبذ المذهب الخارجي، وادعى الخلافة، وضرب السكة باسمه، وبعد قضاء الخليفة الفاطمي إسماعيل بن أبي القاسم (334-341هـ) على ثورة أبي يزيد بن كيداد سنة 336هـ، تولي ابنه معد بن إسماعيل الخلافة، فأنفذ حملة عسكرية بقيادة جوهر (447-749هـ) لتمهيد المغرب.
وقد أنفذ معد بن إسماعيل (341-365هـ) قائده جوهر الصقلي إلى المغرب، بعدما رفضت قبائل زناتة الدعوة الفاطمية، وارتبطت بدعوة عبد الرحمان الناصر (300-350هـ)، فقدم جوهر، واستنزل ملوك زناتة، ثم "انصرف (...) إلى سجلماسة، وكان قد قام بها محمد بن الفتح الخارجي المعروف بواسول بن ميمون بن مدرار الصفري، وادعى الخلافة، وتسمى بأمير المؤمنين، وتلقب بالشاكر لله، وضرب بها السكة، وكتب عليها اسمه" ، قال أبو عبيد الله البكري: "وكان محمد بن الفتح سنياً على مذهب المالكية، يحسن السيرة، ويظهر العدل، إلا أنه تسمى بأمير المؤمنين سنة اثنتين وأربعين، وتلقب بالشاكر لله، وضربت بذلك الدراهم والدنانير" .
ولا شك أن تبني الشاكر لله المذهب السني، جعله في مواجهة الخليفة الشيعي معد بن إسماعيل (341-365هـ)، لذلك سلط عليه قائده جوهر الصقلي، "فنزل عليه جوهر، وحاصره بها، وضيق عليه حتى دخلها عنوة بالسيف، وقبض على الشاكر، وتفرقت جموعه، وقتل رجاله وحماته من الصفرية، وأوثقه في الحديد (...)، فأنفذ الأمر بالمغرب ثلاثين شهراً، ثم انصرف إلى مولاه معد بن إسماعيل العبيدي بعد أن دوخ بلاد المغرب، وأثخن فيها، وقتل حماتها، وقطع الدعوة بها للمروانيين، وردها للعبيديين، فخطب لهم على جميع منابر المغرب، فوصل القائد جوهر إلى المهدية، وحمل معه أحمد بن أبي بكر الزناتي أمير فاس وخمسة عشر رجلاً من أشياخها ومحمد بن الفتح أمير سجلماسة أسارى بين يديه في أقفاص من خشب على ظهور الجمال وعلى رؤوسهم قلانس من لبد مستطيلة منبتة بالقرون، فطيف بهم في أسواق القيروان، ثم حملهم إلى المهدية، فأدخلهم بين يديه، ثم حبسهم بها حتى ماتوا في سجنها" .
وقد أنهكت الحملات الشيعية إمارة بني مدرار، وعجلت بسقوطها في يد زناتة سنة 366هـ.
-سيطرة زناتة على سجلماسة 366هـ
بعد رجوع جوهر إلى أفريقية، "انتفض المغرب على الشيعة (...)، ثار بسجلماسة قائم من ولد الشاكر باهي المنتصر بالله [352هـ]، ثم وثب عليه أخوه أبو محمد [352-366ه] سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، فقتله، وقام بالأمر مكانه، وتلقب المعتز بالله" ، وكان هذا الأمير آخر أمراء بني مدرار، ففي عهده استفحل أمر زناتة التي ملكت حواضر المغرب، فكانت سجلماسة بأهميتها التجارية هدفاً لها، قال ابن خلدون: "وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال، وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب عليهم إلى أن زحف خزرون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ست وستين وثلاثمائة، وأبرز إليه محمد المعتز[352-366هـ]، فهزمه خزرون، وقتله، واستولى على بلده وذخيرته، وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتاب الفتح، وكان ذلك لأول حجابة المنصور بن أبي عامر (...)، وعقد لخزرون على سجلماسة، فأقام دعوة هشام بأنحائها، فكانت أول دعوة أقيمت لهم بالأمصار في المغرب الأقصى، وانقرض أمر بني مدرار ومكناسة من المغرب أجمع، وأدال منهم بمغراوة وبني يفرن" .
وهكذا، عمرت إمارة سجلماسة قرنين وثلاثة عقود، وقد عاشت خلال هذه المدة تاريخاً مضطرباً، بسبب توالي الحملات الشيعية، وقد تبنت إمارة مكناسة مذهب الخوارج، ثم مذهب أهل السنة، ولم يكن ذلك إلا غطاء لضمان استمرارها؛ فتبني المذهب الخارجي جاء امتداداً للمد الثوري الذي تبناه المغاربة لمواجهة ولاة بني أمية في المغرب، كما أن تبني مذهب أهل السنة في عهد الشاكر بالله جاء في سياق تنامي المد الأموي السني في بلاد المغرب، وبداية أزمة الفاطميين بسبب حروبهم مع أبي يزيد مخلد بن كيداد (332-336هـ).
الأمراء مدة الحكم
1 عيسى بن يزيد (140-155)
2 أبو القاسم سمكو بن واسول (155-168)
3 أبو الوزير إلياس بن أبي القاسم (168-194)
4 أبو المنتصر اليسع بن أبي القاسم (194-208)
5 مدرار المنتصر بن اليسع (208-253)
6 ميمون بن مدرار (253-263)
7 محمد بن ميمون بن مدرار (263-270)
8 اليسع بن المنتصر (270-296)
9 إبراهيم بن غالب المراسي (297-297)
10 الفتح بن ميمون بن مدرار الملقب بواسول (298-300)
11 أحمد بن ميمون بن مدرار (300-309)
12 المعتز بن محمد بن ساور بن مدرار (309-321)
13 محمد بن المعتز (321-331)
14 أبو المنتصر سمجو بن محمد (331)
15 محمد بن الفتح بن ميمون الأمير الملقب بالشاكر بالله (331-347)
16 باهي المنتصر بالله بن الشاكر بالله (...-352)
17 أبو محمد المعتز بالله بن الشاكر بالله (352-366)
واصل فانت في الطريق الصحيح
ردحذف