المهننة والتكوين والتنمية المهنية

مهنة التدريس
مبدئيا، تدل المهننة، في الدراسات السوسيولوجية، على مجموع العمليات التي تستهدف تحويل نشاط ما إلى مهنة اجتماعية منظمة، يحركها إنتاج موضوعات أو خدمات معينة، ولها إطارها التنظيمي والاجتماعي، وقواعدها ومتطلباتها الخاصة بالأداء المهني (الكفايات المهنية، وجودة الإنتاج والمنتوج...).
هكذا، تعني المهننة:
  • تشكيل جماعة اجتماعية للعمل، ذات وضع اجتماعي واقتصادي، ومستقلة نسبيا من حيث معارفها وكفاياتها، وأداؤها المهني، وتنظيمها، ويتقاسم أعضاء هذه الجماعة الاجتماعية قاعدة مشتركة من المعارف الأساسية القابلة للإغناء والتجديد، والكفايات، ونفس المعايير، وكذا نفس الحقوق، ونفس الميثاق الأخلاقي والاجتماعي المنظم للعمل.
  • تكوين هيئة مهنية عبر سيرورة تندمج فيها عمليات التكوين بالبنيات الاجتماعية والاقتصادية للعمل. وغالبا ما يميل أعضاء هذه الهيئة المهنية إلى التنظيم الذاتي، والدفاع عن الاستقلالية المهنية وحمايتها، وضمان حقوقها، في إطار نسق من الحقوق والواجبات والميثاق الأخلاقي للمهنة.
  • مواكبة دائمة لنشاط هذه الهيئة وأدائها المهني، ضمانا للجودة والمرونة في العمل والانتاج. وترتبط الحياة المهنية لهذه الهيئة بمسار مهني، فردي وجماعي، داخله تنبني هويتها المهنية باستمرار في إطار التكوين الأساس والمستمر والتنمية المهنية. ويرتبط هذا المسار باعتراف مؤسسي (الإشهاد بمختلف أنواعه)، واجتماعي (الطلب الاجتماعي).
وبناء على ذلك، تعتبر المهننة، في إطارها السوسيولوجي الواسع، نوعا من الإدماج الاجتماعي داخل حقل معين ذي نشاط اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو تربوي، وعبر ذلك، داخل ديناميات اوسع لهيكلة الأنشطة الإنتاجية والخدماتية، وتقنين العلاقات والتبادلات الاجتماعية بين مجموعات الفاعلين في مختلف القطاعات المهنية، وتوسيع لحمة التماسك داخل المجتمع.
في إطار التحولات العامة التي تعرفها مجتمعات اليوم، في ظل العولمة وتأثيراتها، أصبح موضوع المهننة أساسيا وحاسما في جميع الأنظمة المعاصرة الخاصة بالتكوين والتأهيل، والعمل والتشغيل. لقد أصبحت المهننة مرتبطة بمأسسة شمولية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتكوينية، وتوثيق الجسور والتمفصلات فيما بينها، ضمانا لمرونة وتماسك أكثر فيما بينها. وهو أمر فرض ضرورة ملاءمة عميقة لأنظمة التكوين والتاهيل مع أنظمة العمل والتشغيل، وذلك باعتماد صيغ تدمج بنسبة كبيرة جدا، وبشكل مبكر واستباقي، عمليات التكوين داخل بنيات وآليات العمل والإنتاج، توخيا لجودة التكوين والأداء المهني، وتقريبا للمسافة الفاصلة بين منظومة التربية والتكوين، ومنظومة العمل والإنتاج والابتكار، على أساس اعتماد وضعيات، يتم فيها تحليل الممارسة المهنية، وتجريب وابتكار وسائل وطرق عمل جديدة للأداء والإنتاج.
في هذا السياق، وفي المجال التربوي تحديدا، أصبحت المهننة تطرح ذاتها بإلحاح أكثر في تكوين الفاعلين التربويين، من هيئة التدريس، أو هيئة الإدارة، أو هيئة التأطير التربوي، أو هيئة التوجيه والإعلام، وغيرها. وعلى مستوى هيئة التدريس، أصبحت المهننة مدخلا حاسما للنهوض بأداء المدرسات والمدرسين، بوصفهم أصحاب رسالة تربوية، وفاعلين ثقافيين واجتماعيي، بناء على مرجعية مهنية ذات أبعاد متعددة: بيداغوجية وديداكتيكية وثقافية وقيمية، وذلك في سياق التطورات التي تشهدها مهنة التدريس دوليا، ولا سيما الأدوار والمهام الجديدة للمدرس (التدريس الصفي، وتدبير التعلمات وإنجاحها، والتكوين أو التنمية الذاتية المهنية، والمشاركة في التدبير العام للمؤسسة، والإسهام في التأطير المهني والتربوي، إلخ).
هكذا، ترتبط مهننة المدرسة والمدرس ببناء هويته المهنية، وتحديد معالمها باستمرار، لعلاقتها بالتكوين الدائم، المعرفي والتربوي والعملي، الذي يستغرق المسار المهني بأكمله، بهدف إكساب الكفايات اللازمة لممارسة التدريس، والارتقاء بجودة الأداء المهني، وهو أداء يقتضي المرونة الكافية لقيادة الوضعيات التعليمية التعلمية، والقدرة على التوظيف الناجع لمختلف المواد المتاحة، وملاءمتها لهذه الوضعيات، بغاية تحقيق الأهداف المتوخاة من العملية التربوية، وفي مقدمتها إنجاح التعلمات.
من بين أهم مقومات مهننة هيئة التدريس:
  • الاستناد إلى إطار مرجعي ناظم لمختلف الكفايات المهنية للمدرس.
  • الارتكاز على تكوين أساس متين ومؤهل.
  • اعتماد التكوين مدى الحياة المهنية، بصيغ متنوعة، من أجل تنمية مهنية متواصلة.
  • الاعتراف المؤسسي بالاستقلالية البيداغوجية للمدرس، وما يقتضيه من تشجيع المبادرة والاجتهاد والتميز.
  • الإلتزام بقيم مهنة التدريس، وبأخلاقياتها العامة المتعارف عليها وطنيا ودوليا.
غير أن هذه المقومات، تظل مرهونة، أيضا، بجملة من الشروط التي تعززها وتؤمن تحقيقها للنتائج المتوخاة منها، من بينها:
  • تدبير المسار المهني المسار المهني للمدرس، بما يستدعيه من تأطير جيد ومواكبة وتقوي وترقية.
  • الحفز والتثمين.
  • توفير مختلف المستلزمات المادية والتنظيمية لمزاولة ناجعة لمهنة التدريس.
نقلا عن دفاتر التربية والتكوين عدد مزدوج 8-9

    إرسال تعليق

    أحدث أقدم