بيداغوجيا الخطإ

بيداغوجيا الخطإ

1- تعريف بيداغوجيا الخطإ

بيداغوجيا الخطأ ترتكز على افتراض صعوبات ديداكتيكية، تواجه المتعلم أثناء القيام بتطبيق التعليمات المعطاة له ضمن نشاط تعليمي معين، وتتجه في أحد مستوياتها إلى الوقوف على أسباب الخطإ، سواء من منطلق التصور القبلي حوله والمرتبط أساسا بالمعرفة المتراكمة سابقا، أو على مستوى لحظة التعليم وخلال السيرورة التعليمية. ولقد ظهرت هذه البداغعوجيا كتوجه جديد في الممارسة التعليمية الحديثة.

2- تعريف بيداغوجيا الغلط (pédagogie de la faute)

يعرف معجم علوم التربية بيداغوجيا الغلط، بأنها عملية تشخيص أغلاط التلاميذ، وبالأخص الأغلاط اللغوية، وتحليلها قصد تمييز أنواعها والكشف عن أسبابها ووتيرة تكراراها، ثم بحث كيفية معالجتها. وتستند بيداغوجيا الغلط إلى مبادئ السيكولسانيات والسوسيولسانيات واللسانيات التقابلية.

3- الهندسة الديداكتيكية للخطإ (l'igénierie didactique des erreurs)

الهندسة الديداكتيكة للخطأ هي طريقة علمية لتشخيص أسباب الوقوع في الخطإ البيداغوجي ومعرفة أصوله المرجعية. كما تقوم باقتراح استراتيجية ديداكتيكية تجعل التلميذ قادرا على تعرف أخطائه، والاعتراف بها من أجل تجاوزها. وهذا ما يسميه روجيرس بالميتا معرفة والانعكاسية، ولكن إذا كان من اللازم ترك المتعلم يحاول ويخطئ، فإنه من اللازم كذكك عدم تركه يستنفذ طاقته في طريق خاطئ لا يؤدي إلى الإدماج. فالمطلوب إذن، هو إحداث التوازن بين منحه الوقت الكافي ومده بالتغذية الراجعة.

أ- مصادر الخطإ وأنواعه

- أخطاء مصدرها نشوئي: هي الأخطاء التي تنتج عن عدم قدرة المتعلم على فهم واستيعاب بعض المعارف لأنها غامضة أو معقدة، وبالتالي، فإنها لا تناسب مستوى نضجه المعرفي، وتفوق قدراته العقلية والوجدانية والانفعالية. كما يمكن أن تنتج الأخطاء النشوئية التكوينية عن اختلاف بين زمن التعليم وزمن التعلم لدى التلاميذ، أو عن تمثلات معرفية خاطئة مترسخة في البنيات العميقة والسطحية للتلميذ. وفيما يلي بعض الأمثلة: 3=2-5، لقد أعطى التلميذ الجواب الصحيح، لأن المعرفة الضرورية للقيام بهذه العملية لا تفوق قدرته المعرفية. ولكن عندما نطلب منه القيام بهذه العملية (=5-2)، غالبا ما يجيب بأنه من المستحيل نظرا لعدم تعوده على طرح الكبير من الصغير بصفة عامة. وفي الثانوي الإعدادي يقع بعض التلاميذ في عدة أخطاء نشوئية من قبيل 1=(9-)-(10)، بينما الصحيح هو 19 وترتبط الأخطاء النشوئية كثيرا بنوع آخر، هو الأخطاء الابستيمولوجية.
- الأخطاء ذات المصدر الابستيمولوجي: يرى غاستون باشلار، أن العقل البشري ليس صفحة بيضاء، لأن التلاميذ كيفما كان سنهم، يمتلكون تمثلاتهم الشخصية للأشياء والظواهر المحيطة بهم. كما يتمثلون المفاهيم والمصطلحات التي تصادفهم في مسارهم التعليمي. وهذه التمثلات قد لا تتلاءم مع المعرفة المدرسية التي يسعى الأستاذ إلى بلوغها. إننا إذن، نتعلم ضدا على معارف سابقة تشكل حواجز في وجه المعرفة الجديدة. وتظهر الأخطاء الإبستمولوجية باعتبارها أخطاء ناتجة عن تمثلات، وليست ناتجة عن الجهل كما يرى الاتجاه السلوكي والتجريبي.
- الأخطاء ذات المصدر الديداكتيكي: يقصد بها الأخطاء التي ترتبط بطبيعة المحتويات الدراسية ونوع الطرائق البيداغوجية والوسائل الديداكتيكية التي يوظفها الأستاذ. ومن بين الأخطاء ذات المصدر الديداكتيكي، نجد تلك المتولدة عن سوء الفهم وضعف التواصل بين الأستاذ وتلاميذه. وعوائق التواصل التربوي كثيرة ومتعددة، نذكر منها اختلاف السن اللغوي بين الطرفين؛ كأن يستعمل الأستاذ لغة لا يفهمها التلميذ، أو يتحدث بأسلوب معقد أو غامض، أو بسرعة، أو يَلْحِنُ أو يتلعثم.
 - الأخطاء ذات المصدر التعاقدي: هي أخطاء تنتج عن خرق أحد الأطراف لشروط العقد البيداغوجي أو الديداكتيكي. فعندما لا يصرح الأستاذ بالكفايات المستهدفة من الدرس، أو لا يعرف التلميذ بواجباته وحقوقه، فإن هذا الأخير قد يقع في الخطإ. إلا أن هذا الكلام لا يعني أن التعاقد الديداكتيكي يكون صريحا فقط، يقول جي بروسو: العقد الديداكتيكي هو مجموع العلاقات التي تحدد بصفة صريحة في بعض الحالات، وبصفة ضمنية في أغلب الحالات، كل ما هو مطلوب من كل طرف القيام به خلال الحصة.

ب- حول طرائق المعالجة الديداكتيكية للخطإ

إذا كانت بيداغوجيا الخطإ، تهتم بصياغة فرضيات عامة حول العوامل المؤدية إلى ارتكاب الخطإ بعد عملية الإنجاز، فأن الهندسة الديداكتيكية تركز على الجانبين الوظيفي والعلمي للأخطاء المرتكبة، وبالتالي نجدها تتساءل عن الأصول الإبستيمولوجية والبيداغوجية، ونقترح استراتيجية من أجل تجاوزها أو استثمارها. وفيما يلي بعض الخطوات الإجرائية:
- افتراض الخطإ: يقصد به البناء التعليمي، وترقب إجابات وإنجازات مرتبطة أساسا بتمثلات التلاميذ للموضوع الجديد، وقد تكون هذه التمثلات صحيحة تساعد على التقدم في الدرس، وقد تكون معرقلة للدرس. وهكذا ينبغي للمدرس أن يصوغ مجموعة من الفرضيات أثناء بناء الدرس، بما في ذلك ترقبات الأجوبة الخاطئة، سواء أكانت أصولها بيداغوجية أم معرفية أم نفسية أم اجتماعية.
- مواجهة الخطإ: تأتي هذه المرحلة كخطوة ثابتة ضمن التخطيط الهندسي. فخلال هذه المرحلة يدفع الأستاذ التلميذ إلى الإحساس بالخطإ واعتباره حالة عابرة يمر منها الناس جميعا.
- تحليل الخطإ: يستحسن أن يقوم به المتعلم، فإذا لم يستطع، فعلى المدرس أن يساعده أو يطلب من زملائه محاولة التحليل، لكن في شكل رأي ومنافسة، مثال: أن يقوم التلميذ، وحده أو بمساعدة أستاذه أو بمشاركة زملائه، بتصنيف الأخطاء التي وقع فيها إلى نحوية وتركيبية وصرفية ودلالية، ثم يقوم بتحليل كل واحد منها.
- معالجة الخطإ: تعد أهم مرحلة على الإطلاق، وتتخذ مسلكين:
المسلك الأول: هو جعل المتعلم يتحرر من عقدة اعتبار الخطإ آفة أو ظاهرة مرضية، وبالتالي جعله يكشف الأسباب التي أدت به إلى الخطأ، ويتلمس إفرازاته الجدلية التي تحدثنا عنها من أجل بناء المعرفة الملائمة.
المسلك الثاني: يتمثل في إشعار المتعلم بضرورة التعلم مدى الحياة. الشيء الذي يتطلب منه الجهد والتحلي بالصبر والأناة والروية، سواء أكانت أجوبته وردود فعله صحيحة أم خاطئة. ولا ينبغي تربويا، أن يفصل الأستاذ بين المسلكين اللذين يسيران بطريقة متوازية، مثال: حضرنا درسا في الجغرافيا، وعندما سأل الاستاذ عن أسباب الهجرة أجاب التلميذ قائلا: أسباب الهجرة أستاذ هي التَّفْوَاجْ. كان رد فعل الأستاذ هو طرد التلميذ من القسم. ولما ناقشنا معه بعض طرائق التعامل مع الخطإ من هذا النوع اقتنع. وفي الحصة الموالية، دخل مع قسم آخر وطرح السؤال نفسه، ولحسن الحظ كان التلاميذ قد علموا حالة الطرد فقرر بعضهم مشاكسة الاستاذ واستفزازه، فلما سألهم هبوا جميعا قائلين: التَّفْوَاجْ، لكن الأستاذ عالج الخطأ، هذه المرة، معالجة ديداكتيكية بيداغوجية متتبعا المراحل التالية:
أولا: توجه إلى التلميذ الخاطئ قائلا: ما هو مرادف التفواج بالعربية الفصحى، ما نعنى ذلك؟
ثانيا: لم يجب التلميذ الأول فسأل قائلا: أنتم تعرفون؟ أجاب البعض قائلا: يعني التنزه.
ثالثا: بعد نقل التلاميذ إلى لغة سليمة، سألهم: هل الشخص الذي يذهب ليتنزه، ينفق الأموال أم يحصل عليها؟ كان جواب الجميع تقريبا، هو ان المتنزه يصرف وينفق الأموال.
رابعا: من منكم يضع مكان التنزه اسما آخر؟ الجواب: السياحة. حسن، إذن.
خامسا: ما هو الفرق بين المهاجر والسائح من حيث السبب ومن حيث الهدف؟ كان جواب عدد كبير من التلاميذ هو: من حيث الهدف، السائح يذهب للسياحة وصرف الأموال، والمهاجر يهاجر للبحث عن العمل وكسب المال، ومن حيث السبب، السائح يسافر بسبب العطلة والمهاجر بسبب ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والنفسية غير الملائمة.
إضافة إلى هذا المثال، نستوحي من روجيرس طريقته في معالجة أخطاء التلاميذ، والمؤلفة من أربع مراحل هي: أ- الكشف عن الأخطاء، ب- وصف الأخطاء، ج- البحث عن مصادر الأخطاء، د- وضع عدة لمعالجة الاخطاء. ونعطي أمثلة أخرى: إذا أنتج المتعلم نصا حول الامن الغذائي، فوجده الأستاذ يكتب كلمة: (الاسترضاد) بدل (الاستيراد)، فينبغي له أن يحدد الخطأ في سياقه. إن الخطأ لا يكمن في كتابة ض بدل د، ولكنه خطأ معجمي يتمثل في الخلط بين الاسترداد والاستيراد. كما أن الخطأ في الجملة: (je boie la soupe)، ليس هو فقط كتابة e بدل s، لكنه أيضا حصول تداخل (interférence) بين اللغة الأم (أشرب الحساء أو الحريرة بالأحرى) واللغة الهدف (je mange la soupe).
خاتمة: الواقع أن رجال التربية والتعليم مازالوا ينظرون إلى الخطإ بكيفيات مختلفة: ففي مجال البيداغوجيا التقليدية يعتبر الخطأ مشوشا وسقوطا وسوء فهم لا يستحق الوقوف عنده، لذا ينبغي إقصاؤه، ويعني ذلك أنه ليس هناك أدنى تسامح مع الخطإ. أما في مجال البيداغوجيا الحديثة، فإن الخطأ ينظر إليه نظرة إيجابية، إذ يعتبره فريني محاولة تشق طريقها نحو النجاح، وتتيح إقصاء الأفعال المنجزة صدفة، والتي لا تعطي نتائج إيجابية. أما بالنسبة إلى باشلار، فإن الخطأ يندرج ضمن العملية التعليمية التعلمية، باعتباره خطوة ضرورية لتقدم الدرس، فهو يقول: إننا نتعلم على أنقاض المعرفة السابقة، أي بهدم المعارف التي لم نحسن بناءها، ولذلك يجب على المربين أن يعلموا المتعلمين انطلاقا من هدم أخطائهم.
لقد لاحظ مسشيل زكارتشوك أن أكبر عملية في الدعم البيداغوجي هي عملية تحليل الأخطاء لأن التلاميذ يجدون حرجا في القيام بهذا العمل. فبمجرد الانتهاء من الواجب نجدهم يجمعون أوراقهم، بيد أن العمل في الحقيقة، يبدأ في هذه اللحظة يجب أن نفهم العوامل التي أدت إلى ارتكاب الخطإ، يجب أن نفكر في أسبابها مع المتعلمين، وكذلك في طبيعتها.
نقلا عن العربي اسليماني، المعين في التربية

إرسال تعليق

أحدث أقدم