المقاربة التواصلية

ارتبطت المقاربة التواصلية بتعليم اللغات الأجنبية وتعلمها أساسا. وقد نشأت أول ما نشأت في البلدان الأنجلوساكسونية قبل أن تفرض نفسها في فرنسا ثم في باقي البلدان الفرانكفونية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
المقاربة التواصلية
ويمكن الرجوع بالأسس النظرية لهذه المقاربة إلى العالم اللغوي نوعام شومسكي Noam Chomski الذي يرى أن الكائن البشري يتوفر على قدرة فطرية لفهم الرموز اللغوية، وأن الطفل يتعلم اللغة من خلال التواصل أساسا دون إدراك لقواعدها وبنياتها. وترتكز هذه المقاربة أيضا على النظريات المعرفية والسوسيوبنائية التي تعتبر التعلم عملية بنائية ذات دلالة خاصة يقوم المتعلم بدور أساسي فيها، وليس مجرد ردود فعل آلية لمؤثرات معينة كما ترى النظريات السلوكية.
وقد جاءت المقاربة التواصلية لتجاوز بعض النواقص التي تعتري الطرق التقليدية السائدة في تدريس اللغات الأجنبية وتعلمها، وخاصة منها الطريقة السمعية-الشفوية la méthode audio-orale والطريقة السمعية البصرية la méthode audio-visuelle وما يمسى بالطريقة البنيوية-الكلية la méthode structuro-globale، ومعلوم أن تلك الطرق تشترك كلها -رغم التطورات التي عرفتها وتباين الأدوات والوسائط البيداغوجية التي تعتمد عليها ككتب النحو والنصوص الأدبية والاعتماد على الصوت والصورة...- في إعطاء الأولوية في تعليم اللغات الأجنبية وتعلمها إلى معرفة النسق اللغوي، واكتساب البنيات اللغوية، من خلال التدريب الكتابي والشفوي على استعمال التعابير والجمل النموذجية، وحفظ القواعد النحوية، والتمرن على تطبيقها.
غير أنه سرعان ما تبين، خاصة بعد النقد الذي تعرضت له نظرية التعلم السلوكية التي ترتكز عليها تلك النظريات، أن معرفة القواعد النحوية والبنيات الخاصة بلغة أجنبية معينة لا يكفيان للتواصل بتلك اللغة على الوجه المطلوب في الأوضاع التواصلية الواقعية. وهكذا ظهرت المقاربة التواصلية التي تشكل انتقالا من تصور يعتبر تعلم اللغة استبطانا آليا للقواعد والبنيات اللغوية إلى تصور يقوم على اكتساب الكفايات التواصلية.
والمقصود بالكفاية التواصلية ليس هو القدرة على إنتاج جمل صحيحة واحترام القواعد الخاصة بلغة معينة من حيث النطق والصرف والنحو فحسب، وإنما هو أيضا القدرة على التصرف لغويا بالشكل الذي يناسب الوضعية الواقعية التي يتم فيها التبادل اللغوي. وهو ما يقتضي القدرة على التكيف لغويا مع وضعيات التواصل السائدة في مجتمع معين، واحترام المعايير والصيغ التعبيرية المتواضع عليها داخل ذلك المجتمع. لهذا، يستعين أصحاب هذه المقاربة في مقررات تدريس اللغات بعلم الاجتماع اللغوي وعلم الدلالة والنظرية البرغماتية.
وهكذا انتقل تدريس اللغات الأجنبية من جرد للقواعد والبنيات اللغوية وتعليمها إلى جرد للوضعيات التواصلية التي يواجهها المتعلم في حياته اليومية (في البيت والمدرسى والسوق والعمل والقطار...)، والكفايات اللغوية الضرورية للتعامل مع تلك الوضعيات.
ولما كان الهدف من تعليم اللغة هو تمكين المتعلم من التواصل بشكل فعال، وليس معرفة النسق اللغوي وحده، فإنه يلزم التسامح مع الأخطاء اللغوية التي يجب استغلالها وتوظيفها لمساعدة المتعلم على التقدم في تعلماته وتحسين مكتسباته. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف، حسب هذه المقاربة، إلا إذا أعطيت للمتعلم إمكانية القيام بدور فعال في بناء تعلماته بالتدريج من خلالمواجهة أكبر عدد ممكن من الوضعيات التواصلية. أما دور المدرس فينحصر في التنسيق والتنشيط والتوجيه وخلق الوضعيات التعليمية ومساعدة المتعلم على اكتساب الاستجابات المناسبة لمختلف الوضعيات التواصلية.
وقد اتسع نطاق استخدام المقاربة التواصلية بعد ذلك ليشمل ليس فقط تعلم اللغات، وإنما تعلم أساليب الحجاج والتفاوض وبناء القيم الضرورية للعيش المشترك.
دفاتر التربية والتكوين العدد 2

بيداغوجيات أخرى
 البيداغوجيا بواسطة الأهداف: La pédagogie par objectifs
البيداغوجيا بالكفايات La pédagogie par compétences
البيداغوجيا الفارقية: La pédagogie différencielle
بيداغوجيا الاكتشاف: La pédagogie de la découverte
البيداغوجيا المؤسسية: La pédagogie institutionnelle

1 تعليقات

  1. تحياتي لك دكتور عبد الخالق ارجوك ان تسلط الضوء على تاريخ المنطقة لبلدان شمال افريقيا قبل الغزو العربي الاسلامي لهذه البلدان حتى يتضح المغاربة من هم المغاربة وكيف تغيرت الاحداث عندهم قبل الغزو العربي الاسلامي وبعده لان اغلب المغاربة يحتقرون هويتهم واصولهم وينحازون لهوية عربية وافدة من شبه الجزيرة العربية واستوطنوا الارض واصبحوا هم الاغلبية من السكان وربما الامازيغ انقرضوا من ارضهم. تحياتي لك دكتورنا المحترم. نثق فيك كثيرا لانك ابننا الدي لا يقبل بتشويه تاريخنا.

    ردحذف
أحدث أقدم