بيداغوجيا الاكتشاف

يطلق مصطلح "بيداغوجيا الاكتشاف" على مجموع الطرق التعليمية التعلمية التي تدفع المتعلم إلى أن يكتشف بذاته الظواهر والمفاهيم والقواعد والمعارف التي يمكن تعليمها له بواسطة طرق التلقين التقليدية. مبدأ هذه البيداغوجيا هو الثقة في قدرات المتعلم ومكتسباته القبلية، دون حكم مسبق عليها، ووضعه في وضعيات حيث يواجه الأشياء والظواهر مباشرة ويكتشفها، أو المشكلات (مشكلات تهم استغلال معطيات أو معلومات معينة، أو توظيفها لأجل بلوغ أهداف محددة؛ مشكلات رياضية أو فيزيائية أو فلسفية...) التي عليه المبادرة والاجتهاد في حلها استنادا إلى مكتسباته ورصيد خبراته السابقة في التعلم.
بيداغوجيا الاكتشاف
يتمثل الهدف من دفع المتعلم لمواجهة الأشياء في جعله:
- يكتشف العناصر التي تقدمها له البيئة التعليمية أو الواقعية.
- يوظف قدراته الذاتية، الحسية والعقلية، في التعرف على هذه العناصر، وتعيينها وبناء علاقات فيما بينها.
- يحاول اكتشاف القوانين التي تحكم نظام الأشياء مهما كانت بساطتها.
ليس ضروريا أن يتصرف المتعلم وفق قواعد مسبقة، لأن الهدف من هذه البيداغوجيا هو التعلم عن طريق المحاولة والخطإ، وبناء فرضيات على أساس تشخيصات وتقويمات ذاتية إثر الاحتكاك بالأشياء والظواهر وملاحظته لها؛ والغاية من ذلك هي تكوين تمثلات عامة ومفاهيم عن الأشياء انطلاقا من حصيلة تعلمات التلميذ السابقة وتوطيفها في تفاعله مع وضعيات يواجه فيها أشياء أو مشكلات جديدة.
أما الهدف من دفع المتعلم لمواجهة المشكلات، فهو حفزه على:
- اكتشاف عناصر الوضعية المشكلة.
- تفكيك المشكلة إلى عناصرها، وتحليل هذه الأخيرة للتوصل إلى مبادئها.
- البحث عن أدوات ووسائل، أو ابتكارها، للاستعانة على حل المشكلات، حتى يتمكن من إقامة العلاقة بين المشكلة، أو بين المشكلة والوسائل الموظفة في حلها.
غير أن أهم عملية تستهدفها بيداغوجيا الاكتشاف، هي الدفع بالمتعلم إلى الانتقال من المحاولة والخطإ واعتماد الفرضيات الذاتية والمحاولات غير المنظمة، إلى استخراج قواعد واضحة للبحث، واكتشاف علاقتها بالعمليات الذهنية المرتبطة بها. إنه بشكل ما، انتقال من نموذج عفوي للبحث والاكتشاف لا يستند إلى قوانين واضحة وتنظيم منهجي لدى المتعلم، إلى نموذج للبحث والاكتشاف، يتم وفق قواعد عمل جلية يمكن توظيفها في وضعيات جديدة.
ليست بيداغوجيا الاكتشاف منغلفة على ذاتها، بل هي منفتحة على المقاربات البيداغوجية الأخرى بحسب نوعية المتعلمين، وخصوصية وضعيات التعلم. فهي تستثمر بيداغوجيا التفتح واليقظة لدفع المتعلمين لاكتشاف بيئتهم وعناصرها؛ وتستثمر بيداغوجيا الخطإ لحملهم على اكتشاف فرضيات وقواعد عمل خاصة بالوضعية المشكلة؛ كما أنها توظف بعض إجراءات البيداغوجيا بواسطة الأهداف حينما يتعلق الأمر بتمكن بتمكين المتعلم من استثمار حصيلة خبراته المكتسبة في مواجهة وضعيات وبيئات جديدة.
يمكن لبيداغوجيا الاكتشاف كذلك أن تستثمر المقاربة بالكفايات حينما يتعلق الأمر باكتساب المتعلم قدرات البحث، كتصنيف الأشياء وتكوين التمثلات العامة والمفاهيم، وتنظيم إجراءات البحث والاكتشاف وبناء العلاقات بين الأشياء والمفاهيم، واستخراج قواعد التحليل والتركيب... وأخيرا، تفتح بيداغوجيا الاكتشاف على بيداغوجيا المشروع حينما تعمل على ترسيخ قواعد الاكتشاف والبحث لدى المتعلم، ودفعه إلى استعمالها في بناء مشاريع شخصية للبحث والابتكار.
دفاتر التربية والتكوين العدد 2

إرسال تعليق

أحدث أقدم