أنواع الأهداف البيداغوجية ومستوياتها

الأهداف التربوية

أنواع الأهداف البيداغوجية ومستوياتها: الغايات والمرامي والأهداف العامة والأهداف الخاصة والأهداف الإجرائية


يتبين المستقريء للإنتاج التربوي [...] سواء ما اختص منه بالحديث عن بيداغوجيا الأهداف مباشرة، أو تناول العملية التعليمية من حيث التخطيط لها وتحديد إجراءات تنفيذها، يتبين أن هناك تسميات عدة تتصل باستعمال مصطلح هدف، بعضها يوظف على أساس الترادف (هدف عام صنافي، هدف معرفي أو هدف عقلي مثلا...)، وبعضها الآخر يوظف على أساس أن كل تسمية منها تمثل مستوى أو حدا معينا من الحدود التي تطمح العملية التعليمية ذاتها إلى أن تصل إليها (غاية، هدف عام، هدف خاص مثلا...). وقد ازداد أمر هذا التعدد تعقدا حينما ترجمت بعض المراجع المختصة إلى اللغة العربية، وأيضا حينما سعت العديد من المراجع العملية المعدة من طرف وزارة التربية الوطنية لجميع مستويات التعليم إلى تخطيط محتوياتها العامة والخاصة على أساس الانطلاق من أهداف تختلف في تسميتها وتحديدها وصياغتها مما هو عام جدا إلى ما هو خاص جدا وعلى ضوء كل ذلك، صرنا نجد أو نسمع عدة تسميات من قبيل: الغاية، والهدف، والمرمى، والقصد، والغرض، والهدف العام، والهدف الخاص، والهدف الصنافي، والهدف السلوكي، والهدف الإجرائي، والهدف المباشر، والهدف غير المباشر، والهدف الضمنىي، والهدف الصريح، والهدف قريب المدى، والهدف بعيد المدى، والهدف المعرفي، والهدف العقلي، والهدف الوجداني، والهدف العاطفي، والهدف السيكوحركي، والهدف المهاري، والهدف النوعي، والهدف المصغر، والهدف المكبر، والهدف التربوي، والهدف الأوسط، والهدف العملي...
وعلى الرغم من هذا التعدد والاختلاف في التسمية، فإن هناك إمكانية تجميع بعض الانواع في خانات تعبر كل واحدة منها عن مستوى متميز من مستويات الأهداف التي يمكن أن نتحدث عنها عادة في المجال التربوي-التعليمي ككل. إلا ان هذا التجميع ذاته يطرح بعض الصعوبة ترتبط بصفة عامة بالأسس التي يمكن الاعتماد عليها في التمييزبين نوع معين من الأهداف وغيره، وكذا بالفهم المعطى لهذا المصطلح أو ذاك من المصطلحات المتداولة في موضوع الأهداف البيداغوجية. ومن هنا يتعدد تمثيل مستويات الأهداف ونوعها بحسب الترتيب والتسلسل المعتمدين انطلاقا من مبدأي التعميم والتخصيص، أو من النوايا العامة إلى الإنجاز الفعلي المتمثل فيما يظهر على المتعلمين من تغيرات ذات طبيعة معرفية أو وجدانية أو مهارية. ولقد قدمت في هذا الباب اقتراحات ونماذج عدة، يمكن إدراج أبرزها فيما يلي:
- نموذج بيرزي: C.Birzéa (1979)
الغايات--- المرامي--- الأهداف--- الأهداف العامة--- الأهداف الخاصة--- الأهداف الإجرائية.
- نموذج بلبل: P.Pelpel (1987)
 الغايات--- المرامي--- النوايا--- الأهداف.
- نموذج بوكزطار: J.Pocztar (1987)
الهدف1: الغايات--- الهدف 2: الأهداف العامة--- الهدف 3: الأهداف الخاصة.
-نموذج الدريج: (1990)
المستوى الأول: الأهدف العامة (الغايات)--- المستوى الثاني: الأهداف الصنافية--- المستوى الثالث: الأهداف النوعية (الضمنية والخاصة)--- المستوى الرابع: الأهداف الإجرائية.
وسنعتمد في تناولنا لمستويات الأهداف وأنواعها على خطاطة بيرزيا Birzéa باعتبارها، من جهة، خطة شائعة الاستعمال في أغلب المراجع التربوية التي تتناول موضوع الأهداف البيداغوجية، ومن جهة أخرى لأن المستويات المقترحة فيها تتدرج بكيفية تكاد تغطي مختلف الاستعمالات اللفظية المدرجة في هذا المجال.

1- الغايات: Finalités

تعبر الغايات عن فلسفة المجتمع ونظامه العام. وهي تتحدد في مجموعة من التوجهات العامة تخص في الجوهر تربية النشء، وتترجمها عادة مضامين النصوص التشريعية والخطب الرسمية والشعارات المروجة. إنها صياغات تتسم بنوع من الثبات النسبي وتؤطرها عبارات فضفاضة يطبعها التجريد، كما تطبعها درجة كبيرةجدا من العمومية، مثل:
- المساهمة في تكوين مواطن صالح متكامل.
- المساهمة في بناء مجتمع حر ديمقراطي.
- المحافظة على الأصالة والهوية والتشبت بهما.
- المساهمة في تكوين مواطن عربي مسلم.
إن الغايات التربوية ليست في آخر الأمر سوى أهداف من مستوى عام عام جدا تظل توجه الفعل التعليمي "من أعلى مستوياته إلى أدناها"، ما دامت هذه الأهداف تعكس دائما فلسفة ومباديء المجتمع، أي منظومته القيمية التي تشكلت لديه عبر تاريخه الطويل، وتراكم تجاربه في مختلف ميادين الحياة. أما عن كيفية تحديد الغايات التربوية، والمسؤول عن صياغتها، فتشير دولاندشير V.De Landsheere إلى أن العملية ترتبط بنوع من السلطة السائدة في المجتمع، أي بنوع العلاقة القائمة بين أفراد المجتمع والجهاز السياسي الحاكم داخل هذا المجتمع . وتقول دولاندشير في هذا الإطار، بعدما دعت إلى التمييز بين نظامين أحدهما ديكتاتوري، والآخر ديموقراطي: "ففي النظام الديكتاتوري يبدو الجواب واضحا عن السؤال: من يختار غايات التعليم؟ إنهم الماسكون بزمام السلطة. أما في النظام الديمقراطي، فإن ذلك الاختيار يتم عن طريق ممثلي الشعب".

2- المرامي: Buts

تكون المرامي، ويرادفها البعض بالأغراض أو المقاصد (كما قد يعتبرها البعض الآخر أهدافا عامة)، أقل عمومية وشمولية من الغايات، لأنها تميل نسبيا إلى التحديد. إنها أهداف تشتق مباشرة من الغايات، وتعبر عن المقاصد الفعلية التي ينبغي تحقيقها. يعرفها Hameline بأنها "التعبير الذي يحدد عموما المقاصد المتبعة، سواء من قبل مؤسسة، أو منظمة أو شخص، وذلك من خلال برنامج أو فعل تكويني محدد. إنها أهداف تحاول أن تجيب عن السؤال: ماذا نريد؟".
ويكاد يتفق منظرو الأهداف البيداغوجية على أن الحديث عن المرامي في حقل التعليم، هو نفسه الحديث عن السياسة التعليمية أو النظام التعليمي، ما دامت القرارات الصادرة عن السلطة المكلفة بالتربية، من مقررات وبرامج للتعليم، ومن تحديد لأسلاكه، تلخص في المجمل المرامي العامة للتعليم. لذلك، فهي تكون لصيقة دائما بالغايات. ويقول مادي لحسن في هذا السياق: "الكلام عن المرامي التعليمية، هو في حقيقة الأمر الكلام عن سياسة تعليمية متبعة. وكل تقارب بين الغايات في شكلها الغامض أو العام، وبين المرامي في شكلها المحدد نسبيا، لا يمكن اعتباره إلا مؤشرا للانسجام والضبط اللذين يسودان السياسة التربوية، إذ منطقيا، لا تعتبر المرامي إلا الجانب التطبيقي لما حددته الغايات معبرة عن السياسة الرسمية للدولة".
ويمكن أن ندرج في هذا المجال أمثلة من المرامي التعليمية كما هي واردة في وثيقة إصلاح النظام التعليمي:
- تثبيت العقيدة الإسلامية بفضائلها وأحكامها اعتقادا وسلوكا بناء على وحدة المذهب المالكي.
- إتاحة الفرصة للمتعلم قصد استيعاب الظواهر العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والتكيف معها وترشيد المساهمة فيها.
- تعميق مفهوم مجالي الزمان والمكان لاستيعاب وتمثل كل الظواهر وموضعة النتعلم لنفسه داخلها واتخاذ مواقف إيجابية إزاءها.
- تربية الحس الجمالي والفني بشكل يساعد المتعلم على الخلق والإبداع والتنافس.

3- الأهداف العامة: Objectifs généraux

تشتق الأهداف العامة من المرامي ويعرفها هاملين Hameline على أنها "وصف على شكل قدرات لدى المتعلم لإحدى النتائج المنتظر تحقيقها في فترة زمنية معينة". وهذا الوصف يتميز بكونه أقل عمومية بالمقارنة مع المرامي، وأكثر نزوعا منها نحو التحديد، وذلك لارتكازه على نواحي الشخصية الإنسانية المراد الاهتمام بها. إنها وكما يقول ميلود أحبدو "أهداف تنزع إلى الانفعالات من دائرة الغموض والجدل الدائر حول الغايات والمرامي، لتتوجه إلى البحث المنظم في الجوانب المكونة للشخصية الإنسانية التي تتولاها التربية بالعناية والتهديب. فهي تبحث في أنشطة التعليم والتعلم، مستعينة بالجرد والاصطفاء والتبويب، لاستخلاص طائفة من القدرات والمواقف وأنواع السلوك...).
فإذا كانت الغايات تصف السياسة التربوية والتعليمية العامة التي ينبغي السير في إطارها، والمرامي تصف ما يتوقع تحقيقه من العملية التعليمية ككل في مراحل محددة، فإن الأهداف العامة تصف النتائج الفعلية التي يحققها، أو على الأصح، ينبغي أن يحققها برنامج معين بكامله، أو من خلال جزء منه، في مدى زمني معين. ومن هنا يمكن أن يتحدد الهدف العام في أنه "النتيجة المؤمل فيها في مقابل المرمى الذي يعلن عن النتيجة المطلوبة، ويقينا أن الفرق رهين جدا، وهو فرق ليس باطلا، لأن الأمر لم يقتصر فقط على الإجابة عن السؤال "ماذا نريد؟" ولكن سيضاف إليه السؤال "ماذا نستطيع فعله؟"، أي اعتبار الشروط والوسائل التي ستمكن المدرس والمتعلمين من القدرة على التنبؤ، وليس من التمني فقط".
وهكذا، يمكن الخروج مما قدم حول الأهداف العامة بأن هذه الأخيرة هي تلك الصيغ التي ينبغي أن تتضمنها المذكرات التوجيهية الرسمية حول إنجاز البرامج التعليمية في مختلف الوحدات والمواد، وكذا المقدمات المنهجية التي تستهل بها الكتب المقررة من طرف وزارة التربية الوطنية.
ويمكن، في هذا الصدد، أن نورد نماذج من الأهداف العامة لبعض الوحدات المدرسة بالسلك الأول من التعليم الأساسي كما هي مصوغة في كتيبات أهداف وتوجيهات تربوية والصادرة عن مديرية التعليم الأولي والسلك الأول من التعليم الأساسي (قسم البرامج والمناهج والوسائل التعليمية):
أ- وحدة التربية الإسلامية (في المرحلة الثالثة من التعليم الأساسي):
- تزويد المتعلم بالقدر الضروري من المعارف الإسلامية الواضحة من خلال ما تقدمه مواد التربية الإسلامية.
- السمو بنمو المتعلمين الديني من الشكلية الآلية إلى الممارسة الواعية.
ب- وحدة التربية الفنية:
- جعل المتعلم يدرك العناصر والمباديء والمفاهيم الأساسية التشكيلية منها والمتعلقة بصور التواصل.
- اكساب المتعلم القدرة على ضيط تقنيات الإنجاز التشكيلية وإتقان تطبيقاته وأعماله.
ج- وحدة التربية البدنية:
- تنمية القدرات الجسمية عن طريق: تنشيط الأجهزة الكبرى للجسم (الجهاز التنفسي والدورة الدموية)، تنشيط الجهاز العصبي، وتقوية العضلات ومرونة المفاصل.
- تنمية الملكات العقلية.
- تنمية الروح الاجتماعية.
د- وحدة الرياضيات:
- تمكين المتعلم من إدراك المفاهيم الرياضية اللازمة لفهم واستيعاب محتويات الوحدات الدراسية الأخرى وخاصة منها العلمية والتكنولوجية.
- تنمية مؤهلات المتعلم ومهاراته، وذلك بتنشيط ذكائه وتنمية استعداداته وإغناء إمكاناته في مجالات البحث والملاحظة والتجريب والاستدلال والتجريد والدقة في التعبير.

4- الأهداف الخاصة: Objectifs spécifiques

هناك من يسميها أيضا الأهداف السلوكية، أو الاهداف العملية، وهي تشتق دائما من هدف أو مجموعة من الأهداف العامة. إنها على حد قول هاملين: "اهداف تستخرج من تجزيىء هدف عام إلى كثير من الصيغ يؤدي تحقيقها مجتمعة إلى تحقيق هذا الهدف العام". فالهدف الخاص يرتبط إذن بموضوع محدد من وحدة دراسية معينة، كما يرتبط كذلك بجانب أو جوانب سلوكية محددة يراد إحداث تغير بها. وبما أن تحقيق الكفاءة أو القدرة أو المهارة التي صيغت في الهدف العام، فإن هذا يجعل الأهداف الخاصة على صلة وطيدة بالأهداف العامة، مادامت هذه الأخيرة هي اختزال وتكثيف لعدد هائل من الأهداف الخاصة، وإذا كان عمل المدرس يلزمه بالاشتغال دائما بالأهداف الخاصة، فإن هذا الاشتغال يلزمه بدوره بالاطلاع على الأهداف العامة، حتى يتمكن بالتالي من وعي الأهداف الخاصة وتطبيقها.

5- الأهداف الإجرائية: Objectifs opérationnels

ترتبط الأهداف الإجرائية، وهي عبارة عن أهداف دقيقة صيغت صياغة إجرائية بما سينجزه المتعلم من سلوك بعد ممارسته لنشاط تعلمي معين. إنها أهداف (وهناك من يرى أنها أهداف خاصة مصوغة إجرائيا فقط) تصاغ في عبارات واضحة ودقيقة تشمل التغير السلوكي المزمع إحداثه لدى المتعلم معرفيا أو وجدانيا أو مهاريا، ثم شروط الإنجاز ومعايير التقويم.
سلسلة التكوين التربوي العدد 4

إرسال تعليق

أحدث أقدم