المدارس العتيقة، بناء حضاري لحفظ الهوية.

المدرسة العتيقة هي غير الكتّاب القرآني المعروف
بـ "الجامع" أو "المسيد" المنتشر في جل ربوع المغرب، بل هي
مدرسة شعبية تؤسسها القبيلة كدعم لأحد العلماء المعلمين المشهود لهم بالصلاح لنشر
العلوم الشرعية واللغوية والمعارف الأدبية والعقلية والكونية، من خلال تشييد
مَعْلمة علمية، هذه البناية كانت لا تمول من بيت
المال، وإنما يحبس عليها من أملاك الرعية أو الحكام،
كما تعتمد على الهبات والصدقات
لتلبية حاجياتها من دفع أجرة المدرسين، وتكاليف مبيت
الطلبة، ومصاريف الأكل والشرب واللباس، وشراء الكتب الدراسية ونسخها، بل ويكون ضمن
أحباسها أحيانا مقبرة لدفن من يتوفى من طلابها، كما هو الشأن بأقدم مدرسة بسبتة.



تعود جذور المدارس العتيقة إلى الفتح الإسلامي
للمغرب الأقصى
، وقد بلغ عددها 388
مَدرسة سنة 2013 بحسب تقرير صادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
، ثلثاها
بالوسط القروي، وحوالي نصفها في منطقة سوس، التي اشتهرت لكون المنطقة محورا تاريخيا يربط المغرب
بالتجارة الصحراوية مع بلاد السودان، ما جعلها تساهم في نقل التأثيرات الحضارية
والثقافية ما بين المغرب وأفريقيا، وتحديدا الثقافة الإسلامية.




يحج طلاب العلم للمداس
العلمية السوسية من كل المناطق ومن مختلف البلدان والأمصار للنهل من معينها والتزود
بأخلاق علمائها، ويحمل كل متخرج منها لقب "الطالب"، وتعد العلوم النقلية
من أبرز العلوم التي تدرس بالمدرسة العتيقة، من فقه وأصول الحديث وتوقيت وتفسير
ومبادئ الشريعة الإسلامية وقواعد اللغة العربية،
حيث تقوم بتحفيظ الطلاب والمتعلمين المتون العلمية التي دأب
المغاربة عبر التاريخ على تلقينها، وعلى رأسها “منظومة المرشد المعين على الضروري
من علوم الدين” للشيخ عبد الواحد بن عاشر، ودلائل الخيرات للجزولي، والأجرومية
لابن أجروم، وغير ذلك من المتون، فضلاً على حفظ القرآن الكريم، وكتب السنة
النبوية، وعلى رأسها موطأ الإمام مالك، إلى جانب علم التزكية أو الأخلاق التي
تنطلق من سيرة النبي الكريم
.




تخرج من هذه المدرسة
العتيقة
علماء
و
كوادر يتولون التدريس
والإمامة والخطابة والتوثيق والعدالة والقضاء والحسبة، حافظوا على المذهب المالكي
والعقيدة الأشعرية والتصوف على طريقة الإمام الجنيد وامارة المؤمنين في المغرب، ما
جعلها صمام أمان لصون الهوية الدينية للبلاد.


إرسال تعليق

أحدث أقدم