8 مارس، لحظة تأمل .

يحتفل العالم في الثامن من مارس من كل سنة باليوم العالمي للمرأة، اعترافا لها بعطائها المتواصل عبر التاريخ في مجالات شتى؛ و لعله لحظة تدعونا إلى التأمل ليس في إرث المرأة و عطاء هذا الينبوع المتدفق باستمرار ، بل في اسمها " تمغارت" الذي خالف قاعدة التأنيت في اللغة الأمازيغية و جنح بعيدا عنها ؛ إذ أن التأنيث فيها يكون حسب القاعة بإضافة التاء في بداية اسم المذكر و في نهايته ، كقول " أربا" أي فتى ، و مؤنته يأتي " تاربات" و " أفروخ" و مؤنته " تافروخت" ... و هكذا. لكن هذه القاعدة لا تشتغل عندما يتعلق الأمر ب " تمغارت" أي المرأة، إذ أن مذكرها  هو " أركاز" أي الرجل، فلماذا لا يقال إذن " تاركازت" تبعا للقاعدة ؟

يجرنا هذا السؤال إلى النبش في اشتقاق اسم " تمغارت" أي المرأة، الذي جاء من " أمغار" أي قائد القبيلة الذي يختاره جهاز إنفلاس  بعناية لتولي شؤون قبيلتهم و أمورها في السلم الحرب، و بذلك من الضروري أن تتوفر فيه قدرات حسن التدبير و كفايات التسيير المحكم ، فضلا عن الحكمة المتولدة عن خبرة متراكمة و رجاحة في العقل و فهم الأمور فهما جيدا ، و بناءً على تلك المعايير تنصبه الجماعة " إنفلاس" و هم حكماء القبيلة، لتولي هذه الوظيفة الاجتماعية و السياسية . 

و إذا ما عدنا إلى قاعدة التأنيث السالفة الذكر ، نجد أن " أمغار" يجد مؤنته في " تامغارت" ،ما يدفعنا إلى طرح سؤال مفاده : ما الشيء المشترك بين أمغار و تمغارت حتى يشتركا بالتالي في الإسم ضدا في القاعدة الصرفية للغة ؟؟ 

إذا ما استقرأنا ثقافتنا المغربية الأمازيغية، سنجد أن القواسم المشتركة بينهما كثيرة يمكن إيراد بعضها كما يلي : 

١- كلاهما يشتركان في قدرات القيادة و التدبير و التسيير، فالمرأة في ثقافتنا الأمازيغية يُعهد إليها تسيير أسرتها و ممتلكات زوجها بحكامة و إحكام ، و تربي أبنائها على النبل و الحرية و الحب، و تهيئهم للإقبال على الحياة بشغف بالغ، كما أنها حريصة على ممتلكات زوجها ليس داخل البيت فقط، و إنما خارجها في الحقول و المروج، و هي مدبرة علاقات بيتها بالجوار و علاقات أسرتها. 

٢- كلاهما يشتركان في الحكمة و السلطة و الجاه، فتمغارت عند إيمازيغن سلطانة نبيلة و موضع ثقة أهلها و قبيلتها. 

٣- كلاهما يُنصّبُ وفق أعراف و طقوس جهرية أمام الملأ، فأمغار يُنصب قائدا بحضور أهل القبيلة مجتمعين، و تمغارت تُنصب يوم زفافها بحضور الجميع أيضا ليشهدوا أن من كانت بالأمس فتاةً، نصّبت اليوم مكانة اجتماعية تضفي عليها القداسة و التقدير، لذلك يسمى الزفاف ب " تامغرا" و هو لفظ آخر مشتق من أمغار و تمغارت، و بذلك فحفل الزفاف عند إيمازيغن ليس مجرد بهرجة عابرة، بل هو طقسٌ ثقافي و اجتماعي لتنصيب فتاة تقلدت مفاتيح " تيمّوغرا" ، وهذه المكانة تدوم لها حتى بعد موت زوجها إذ لا تنعت بالأرملة ، بل تنعت بمنصبها الاجتماعي " تمغارت ن إكلين ن فلان " . 

و تبقى تمغارت مستعصية حتى في تزيينها و تلبيسها يوم زفافها حيث تجتمع حكيمات القبيلة لتولي المهمة و إكمال مراسيم التنصيب . 

كل عام و أنت أسعد و أطيب سيدتي تمغارت، و لا أقول المرأة هنا لأن اللفظ تقني لا يفي بالغرض و لا يترجم الحمولة الثقافية و القيمية للمفهوم، فإذا كان لفظ المرأة في اشتقاقه يحيلنا بمعنى ما على المرآة كنظرة سطحية لهذا الكائن البشري، فإن لفظ تمغارت يحيلنا على الجوهر و الأدوار الاجتماعية لها كسلطانة نبيلة و قائدة عظيمة. 

 بقلم عبد الكريم الناضري

1 تعليقات

أحدث أقدم