قصر البديع معلمة تاريخية طالها النسيان

قصر البديع أو دار السلطان أحمد المنصور السعدي، ومقر حكمه، ابتدأ بناؤه في شوال من عام ستة وثمانين وتسعمائة بعد مضي خمسة أشهر من انتصار المغرب على البرتغال في معركة وادي المخازن يوم الاثنين منسلخ جمادى الأولى عام 986هـ. وقد اجتمع لأحمد المنصور من مغانم وادي المخازن وهدايا الترك وولاتهم بالجزائر وهدايا الملوك المسيحيين ما جعله يتشوف لبناء قصر البديع.

استغرق بناء قصر البديع ست عشرة عاما من 986هـ إلى 1002، اتصل خلالها العمل ولم يتخلله فترة، وقد حشد المنصور لتشييده الصناع حتى من بلاد الإفرنجة، وجلب له الرخام من بلاد الروم، وأما جبصه وجيره وباقي أنقاضه فإنها جمعت من كل جهة وحملت من كل ناحية.

وهذا البديع دار مربعة الشكل وفي كل ناحية منها قبة رائعة الهيئة، واحتف بها مصانع أخر من قباب وقصور وديار، فعظم بذلك بناؤه، وطالت مسافته، وفيه من الرخام المجزع والمرمر الأبيض المفضض والأسود، وكل رخامة طلي رأسها بالذهب الذائب، وموه بالنضار الصافي، وفرشت أرضه بالرخام العجيب النحت الصافي البشرة، وجعل في أضعاف ذلك الزليج المتنوع التلوين حتى كأنه خمائل الزهر، وأما سقوفه فتجسم فيها الذهب وطليت الجدارات به مع بريق النقش ورائق الرقم بخالص الجبص، فتكاملت فيه المحاسن، وأجري في فنائه ماء غير آسن.

وبالجلمة، فإن هذا البديع من المباني المتناهية البهاء والإشراق، ولما أكمل المنصور البديع وفرغ من تنميق بردته وتطريز حلته، صنع مهرجانا عظيما ودعا الأعيان والأكابر، وكان ممن دخل في غمار الناس رجل من البهاليل ممن كانت له شهرة في الوقت بالصلاح، فقال له المنصور عابثا به: كيف رأيت دارنا هذه يا فلان؟ فقال له: إذا هدمت كانت كدية كبيرة من التراب، فوجم لها المنصور، وتطير منها.

وقد ظهر مصداق ذلك، ففي سنة تسعة عشر ومائة وألف، أمر السلطان المولى إسماعيل بهدم البديع، فهدمت معالمه، وبذلت مراسمه، وغيرت محاسنه، وفرقت جموع حسنه، وعاد حصيدا كأن لم يغن بالأمس، حتى صار مرعى للمواشي، ومقيلا للكلاب، ووكورا للبوم والصيد، ولم يبق بلد من بلاد المغرب إلا ودخلها شيء من أنقاض البديع.

ولما هدم قصر البديع، حول المولى إسماعيل اقامته وبنى بها داره بمكناسة، واليوم لازالت أطلال البديع بمراكش شاهدة على عظمة هذا الصرح العمراني الذي دل على عظمة الدولة السعدية التي شمل نفوذها من البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى بلاد السودان جنوبا إلى البحر المحيط غربا.

✍تحرير الدكتور عبد الخالق كلاب

إرسال تعليق

أحدث أقدم