مفهوم الواجب

تستعمل كلمة واجب كترجمة للفظة الفرنسية Devoir، وتعني حينما تكون مقرونة بفعل ما (مثل: Devoir faire) ضرورة القيام به. وهي كلمة مشتقة من الأصل اللاتيني: Debere التي تجمع كلا من D، و Habere، وتعني أن يكون المرء مدينا لشخص آخر بشيء ما.
أما في القاموس العربي، فكلمة واجب مشتقة من الفعل الثلاثي وجب التي تتضمن معنى اللزوم. يقال: وجب الشيء يجب وجوبا، أي لزم وأصبح أمرا مستحقا، أي ضروري الوقوع. وأوجبه هو، وأوجبه الله، واستوجبه، أي استحقه (لسان العرب، القاموس المحيط).
مفهوم الواجب
إجمالا، يعبر الواجب على وجه العموم عن ضرورة قد تكون ذاتية أو موضوعية، أي ضرورة قد تعود لقرار ذاتي للشخص، أو لدواع يفرضها المجتمع أو السياق الطبيعي الذي يوجد فيه الفرد. وبما هي كذلك، فهي تأخذ شكل إلزام أخلاقي ذاتي أو اجتماعي أو ديني... غير أن الإلزام في كل الأحوال، لا يكون إكراها مفروضا على المرء من الخارج (une contrainte)، بل هو التزام ذاتي (un engagement) نابع عن اقتناع داخلي لدى الشخص بقوة إلزامية الواجب، حتى حينما يتم إرجاع هذه القوة الإلزامية إلى الدين أو المجتمع. فلا يكون السلوك واجبا، حتى حينما يتم إرجاع هذه القوة الإلزامية إلى الدين أو المجتمع. فلا يكون السلوك واجبا إلا حينما يكون التزام الفرد بمقتضياته نابعا من صميم قناعته الأخلاقية الذاتية. بهذا الشكل، ميز كانط، أحد منظري الفلسفة الأخلاقية في القرن 18م، بين الالتزام الذاتي بالواجب، وهو استجابة لما يأمر به الواجب الأخلاقي تجد مبدأها في الضمير أو الوازع أو الوعي أو الإرادة الأخلاقية، وبين الاستجابة لما تأمر به القوانين الوضعية التي تجد مبدأها في الإكراه المؤسساتي الخارجي ومختلف التشريعات والآليات التي يستند إليها. هكذا، يعبر مفهوم الواجب عن ضرورة يلزم تحقيقها أو هو ضرورة القيام بفعل ما نتيجة احترام القانون. إنه الصيغة التي تأخذ هنا ضرورة القانون الأخلاقي وحدها مع استبعاد كل ضرورة أخرى غيرها. وكلما كان هذا الإلتزام نابعا من داخل الإرادة كان أخلاقيا خالصا.
وليس الواجب ضرورة عملية إلا باعتباره دالا على الاستقلال الذاتي للإرادة الشخصية التي تلزم ذاتها بذاتها بالامتثال للواجبات، باعتبارها أوامر أخلاقية، ولا تحتاج إلى سلطة خارجية (سلطة المؤسسات مثلا)، اللهم سلطتها الداخلية. هذا الالتزام الأخلاقي بالواجب يرقى بالمرء من مستوى الفرد الخاضع لمحددات طبيعته الفيزيائية (الحاجات والضرورات المادية) والسيكولوجية (الأهواء والميول والرغبات...) والاجتماعية (الانتماء الاجتماعي، الولا، الروابط النفعية...)، إلى مستوى الشخص الأخلاقي، أي الكائن الإنساني ذي الكرامة الأخلاقية، الذي يوجد كغاية في ذاته لا كوسيلة قابلة للاستغلال لأي هذف كان، والذي ينبغي أن تصونه الحياة المدنية وقوانينها بكاملها.
وإذا كانت القوانين السياسية معبرة عن الحرية السياسية التي تكلفها الدساتير والمؤسسات والآليات الديمقراطية، فإن القوانين الأخلاقية، التي تصوغ الواجبات كضرورة كونية مطلقة (فواجب التضامن أو المساعدة أو الوفاء... واجب كوني مطلق لا يتقيد بهذه الظرفية أو تلك، ولا بهذه الغاية أو تلك...) تعبر عن الحرية الأخلاقية للشخص. وإذا كان استمرار الحرية والقوانين السياسية رهين استمرار المؤسسات والآليات الاجتماعية والتشريعية الضامنة لاحترام حقوق المواطنة، فإن استمرار الحرية والقوانين الأخلاقية يظل رهين الالتزام الذاتي للشخص بالواجبات تجاه ذاته والغير.
غير أن هذا التمييز بين نظام التشريعات والقوانين والواجبات السياسية، وبين نظام القوانين والواجبات الأخلاقية لا يعني انفصالهما عن بعضهما البعص، رغم أنهما يتعارضان أحيانا، بل تكاملهما العملي. فإذا كان النظام الاول يقوم على أساس الحقوق الفردية والمدنية، فإن نظام الواجبات الأخلاقية يقوم على الالتزام الفردي باحترام هذه الحقوق والحريات المدنية، إلى جانب عدم انتهاك الحقوق الكونية للإنسان بوصفه شخصا أخلاقيا أينما وجد. بهذا المعنى، كانت دائرة الواجب الأخلاقي أشمل من دائرة الالتزامات السياسية والمدنية للمواطن طالما انها تشمل التزام الشخص تجاه الإنسانية ككل.
نقلا عن دفاتر التربية والتكوين العدد 5

إرسال تعليق

أحدث أقدم