الغايات والأغراض والأهداف التربوية

رغم الانتقادات التي تعرضت لها بيداغوجيا الأهداف خلال العقدين الأخيرين، فإن تحديد غايات العملية التربوية وأغراضها وأهدافها يبقى ضرورة منهجية، وخطوة أساسية لا يمكن الاشتغناء عنها في كل عمل تربوي يسعى إلى تنظيم العملية التعليمية والتعلمية تنظيما عقلانيا، واقتراح المقاربات والطرق الكفيلة بالرفع من فعاليتها ومردوديتها. ذلك أن الغايات والأغراض المتوخاة من التربية والتكوين، والأهداف المحددة لها على مستوى من مستويات المنظومة التربوية، هي المحدد الرئيسي لكل العمليات التربوية والتعليمية الأخرى، خاصة منها ما يتعلق بتحديد محتويات التدريس، ووضع الخطط التربوية الملائمة، واختيار الطرق والوسائل التعليمية المناسبة، إلخ. كما أن وضوح غايات التربية والتكوين، وانسجام أغراضها وأهدافها على مختلف مستويات المنظومة التربوية هو الشرط الأساسي لفعالية المنظومة التربوية ومردوديتها. فالفاعل التربوي لا يستطيع أن يعمل بشكل فعال بدون معرفة مسبقة بنوعية الإنسان الذي يريد تكوينه، وبالمكتسبات والكفايات التي يريد أن يكون المتعلم متمكنا منها عند نهاية كل مرحلة من مراحل التكوين، بل وعند نهاية كل عملية من عمليات التعليم أو التكوين.
مستويات الأهداف التربوية ومصادرها
ورغم الأهمية الخاصة التي يكتسبها تحديد الغايات والأغراض والأهداف في عمليتي التربية والتكوين، فإن الغموض ما يزال يحيط بهذه المفاهيم في العديد من الأدبيات التربوية، حيث يتم الخلط، في كثير من الأحيان ، بين الغاية والغرض، وبين الغرض والهدف، وبين المستويات المختلفة للأهداف التعليمية. ويعود ذلك الخلط، من جملة ما يعود إليه، إلى الانتشار الواسع لهذه المفاهيم بين الفاعلين التربويين، خاصة بعد النجاح الذي أحرزته بيداغوجيا الأهداف في العديد من بلدان العالم، وإلى استعمالها غير الدقيق في بعض الكتابات التربوية. هذا إضافة إلى ما يعترض تحديد الأهداف، على المستوى الإجرائي، من صعوبات موضوعية تعود بالأساس إلى تعدد مستويات التجريد التي يمكن اعتمادها في ذلك.
ومع ذلك، فإن أغلبية الكتابات التربوية تكاد تجمع على تعريف هذه المفاهيم على الشكل التالي:

1- الغايات التربوية:

الغايات التربوية هي المبادئ العامة الموجهة لنظام التربية والتكوين. فهي تشكل الإطار العام الذي يحدد الاختيارات التربوية الكبرى لمجتمع من المجتمعات، ويحكم، بالتالي، التوجه العام لفعل التربية والتكوين في ذلك المجتمع. والغايات التربوية هي، دائما، غايات مثالية؛ تتسم بالعمومية، والشمولية، وبدرجة عالية جدا من التجريد. فهي تحدد نوع الإنسان الذي يسعى النظام التربوي إلى تكوينه، ونوعية المجتمع الذي يرجى من هذا الإنسان المساهمة في إنشائه وإرساء دعائمه. تشتق غايات التربوية والتكوين من الفلسفة العامة السائدة في مجتمع من المجتمعات، في مرحلة معينة من مراحل تطوره، وتعكس، بالتالي، نظرة ذلك المجتمع إلى الوجود الإنساني والمجتمعي، وتعبر عن الاتجاهات، والقيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية السائدة فيه. وكثيرا ما تعكس الاختلافات حول غايات التربية والتكوين في مجتمع من المجتمعات الانقسامات الاجتماعية والسياسية التي تتخلل ذلك المجتمع، وتضارب مصالح مختلف مكوناته.
وبما أن الغايات التربوية غايات مثالية؛ تحدد أفق العمل التربوي وطموحه أكثر مما تحدد النتائج الملموسة المرجوة منه، فإن العمل على تحقيقها يشمل السيرورة التربوية برمتها، ويستغرق كل المدة التي تستغرقها عملية التربية والتكوين، من المهد إلى اللحد.

2- الأغراض التربوية:

الأغراض التربوية عبارة عن بيان يحدد، بشكل عام، رغبات ونوايا المدرس المتعلقة بتدريس مادة معينة، أو بفعل تربوي أو تعليمي معين. تشتق الأغراض التربوية من الغايات الكبرى لنظام التربوية والتكوين، التي تعمل على تدقيقها، وتوضيحها، وتحديد سبل تحقيقها. فهي إذن، أقل تجريدا، وأقل عمومية من الغايات، ولكنها أكثر عمومية من الاهداف التعليمية. ومن أمثلة ذلك ، تمكين المتعلم من القدرة على التواصل بلغة معينة في ظروف التواصل اللغوي العادي، أو إكسابه الحس النقدي والقدرة على الاستدلال المنطقي، أو تلقينه الأسس التي ترتكز عليها مادة معينة كالرياضيات أو الفيزياء، أو تذوق نص شعري، أو القدرة على تحليل نص أدبي إلخ.
وكثيرا ما تسمى الأغراض التربوية الأهداف العامة. وهذه العبارة الأخيرة هي الأكثر شيوعا في الأدبيات التربوية. ويتطلب تحقيق الأغراض التربوية وقتا زمنيا طويلا نسبيا،  وتضافر أكثر من درس، وأحيانا أكثر من مادة دراسية.

3- الأهداف الإجرائية:

تسمى كذلك بالأهداف الخاصة أو السلوكية. يشكل تحقيقها خطوة أساسية لتحقيق الأهداف العامة، ومن خلالها، غايات التربية والتكوين. يقوم تحديد الاهداف الإجرائية على وصف دقيق للسلوك أو السلوكات التي يريد المتعلم أن يكون المتعلم قادرا على إنجازها عند نهاية فعل تعليمي محدد، والتي يمكن ملاحظتها (بشكل مباشر أو غير مباشر) وقياس درجة التمكن منها اعتمادا على أدوات موضوعية. لهذا تصاغ الأهداف الإجرائية على شكل النشاط أو الأنشطة القابلة للملاحظة والقياس والتي يتعين على المتعلم أن يكون قادرا على إنجازها عند نهاية عملية التعلم. تحدد الأهداف الإجرائية انطلاقا من الأهداف العامة، وتشكل أجرأة لها، أي ترجمتها إلى سلوكات عملية. يرى Robert F.Mager أن تحديد الأهداف الإجرائية يتم من خلال تحديد الإنجاز المطلوب، والنتصيص على الشروط التي ينبغي أن تتوفر في ذلك الإنجاز، وتعيين المعايير المحددة لمستواه.
يتعلق الإنجاز بالسوك أو تغيير السلوك المراد إكسابه للمتعلم بواسطة فعل تعليمي معين. أي، بتعبير آخر، ما يريد المعلم أن يكون المتعلم قادرا على القيام به عند نهاية عملية تعليمية معينة. قد تكون هذه العملية التعليمية عبارة عن درس، أو جزء من درس، أو مجموعة من الدروس. ومن أمثلة ذلك، أن يكون المتعلم، بعد تلقيه درسا معينا، قادرا على القيام بعملية حسابية معينة، أو إعراب حملة معينة، أو معرفة قانون علمي معين، إلخ.
وتخص شروط الإنجاز الظروف التي ينبغي أن يتم فيها أداء المتعلم، والتي من شأنها أن تؤثر إيجابا أو سلبا على ذلك الأداء؛ كأن يكون التلميذ، مثلا، قادرا على إنجاز عملية حسابية في وقت زمني محدد، باستعمال، أو بدون استعمال آلة حاسة، إلح.
أما معايير الإنجاز، فتقيس مستوى الأداء، وتحدد، بالتالي مدى تحقيق الهدف الإجرائي. قد تكون معايير الإنجاز عبارة عن نسبة محددة من الأجوبة الصحيحة التي يقدمها تلميذ لتمرين رياضي معين، أو نسبة معينة من الأخطاء التي يرتكبها عند استظهار قصيدة شعرية معينة، أو غير ذلك.
وكثيرا ما يعتمد الفاعلون التربويون في تحديد الأهداف التربوية، العامة منها والإجرائية، على صنافة معينة للأهداف. من بين الصنافات الأكثر تداولا:
  • صنافة Schwartz التي تميز أربعة مستويات للاهداف هي: معرفة وجود شيء معين، والقدرة على مناقشة موضوع معين، والقدرة على استعمال أداة معينة،  وتطويرها.
  • صنافة Gaspar، وتركز بدورها على أربعة مستويات هي اكتساب المعلومة، والقدرة على التعبير، والتمكن من استعمال أداة معينة، واكتساب منهجية تمكن المتعلم من تحويل ما تعلمه في مجال إلى مجال أو مجالات أخرى.
  • غير أن أشهر الصنافات المعتمدة في تحديد الأهداف التعليمية والتربوية هي صنافة Bloom التي تقسم الأهداف إلى ثلاثة مجالات كبرى هي المجال المعرفي، ويضم كل المعارف والخبرات والقدرات الخاصة بتدريس مادة من المواد؛ مثل المعرفة والفهم والتحليل والتركيب والتقويم، والمجال الوجداني الذي يتعلق بالاتجاهات والقيم والمهارات الاجتماعية، والمجال النفسي الحركي الذي يخص المهارات العملية الضرورية للقيام بالانشطة النفسية الحركية المختلفة.
نقلا عن دفاتر التربية والتكوين عدد مزدوج 6-7

إرسال تعليق

أحدث أقدم