أصولنا من خلال الروايات التاريخية والدراسات الجينية

د. عبد الخالق كلاب: أصولنا من خلال الروايات التاريخية والدراسات الجينية

أصل المغاربة موضوع تمت
مناقشته انطلاقا من خلفيات سياسية إيديولوجية، دون تمحيص للروايات التاريخية،
فانتهى أنصار التيار العروبي إلى الجزم بالأصل العربي لسكان المغرب بناء على
روايات ظنية، فادعوا أن الأمازيغ من أصول يمنية حميرية وشامية فينيقية.



يسرد لنا ابن خلدون خلاصة
ما توصل إليه النسابون العرب بخصوص نسب البربر، قائلا: "وأما إلى من يرجع
نسبهم من الأمم الماضية، فقد اختلف النسابون في ذلك اختلافاً كثيراً، وبحثوا فيه
طويلاً، فقال بعضهم: أنهم من ولد إبراهيم عليه السلام من نقشان ابنه (...)، وقال
آخرون البربر يمنيون، وقالوا أوزاع من اليمن، وقال المسعودي: من غسان وغيرهم،
تفرقوا عندما كان من سيل العرم، وقيل: تخلفهم أبرهة ذو المنار بالمغرب، وقيل من
لخم وجذام كانت منازلهم بفلسطين، وأخرجهم منها بعض ملوك فارس، فلما وصلوا إلى مصر
منعتهم ملوك مصر النزول، فعبروا النيل، وانتشروا في البلاد (...)، وذكر آخرون منهم
الطبري وغيره أن البربر أخلاط من كنعان والعماليق، فلما قتل جالوت تفرقوا في
البلاد وأغزى أفريقيش المغرب ونقلهم من سواحل الشام وأسكنهم أفريقية وسماهم
البربر، وقيل إن البربر من ولد حام بن نوح بن بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بن
حام"[1]



إلا أن هذا الادعاء لم يصمد
أمام الحقيقة التاريخية الساطعة، فصاحب كتاب مفاخر البربر نفى أن يكون لقيس عيلان ابنا
اسمه بر أصلاً، بقوله: "ذكر العلماء بالأنساب أن البربر من ولد حام بن نوح،
وادعت طوائف منهم أنهم من اليمن من حمير، وبعضهم ينسي إلى بر بن قيس غيلان، وهذا
كله باطل ل شك فيه، وما علم النسابون لقيس عيلان ابناً اسمه بر أصلاً، ولا كان
لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخ اليمن"[2].



وبذلك فروايات النسابة
العرب مبنية على غير أساس، فالكرونولوجيا تفند زعم القول بالأصل اليمني الحميري
للأمازيغ، فنحن نعلم أن مملكة حمير التي تأسست حوالي 110 ق م، زامنت المملكة
المورية التي كان على رأسها آنذاك الملك الموري بوخوس، وأما القول بالأصل
الفينيقي، فمردود، لأن الفينيقيين لم يستوطنوا المغرب مطلقاً، بل كان تواصلهم مع
أهل المغرب عن طريق التجارة الصامتة التي وصفها هيرودوت، وهذا إقرار بوجود شعب
مغربي له لغة محلية مختلفة عن لغة الشعب الفينيقي واللاتيني أيضا، وهو ما أكده بلين
بقوله: "إن أسماء شعوبها [إفريقيا] ومدنها عسيرة النطق بها ماعدا في لغاتها"[3].



وبذلك فسكان المغرب أمازيغ
لا علاقة لهم بالأصل المشرقي على الإطلاق، وقد تأكد ذلك بما أثبتته الحفريات
الأثرية التي كشفت عن وجود أقدم جمجمة لإنسان عاقل بجبل إيغود تعود إلى 315000
سنة.



إذا، فالشواهد التاريخية
والأثرية تؤكد أن المغاربة شعب أصيل له تاريخه وحضارته ولغته الخاصة، وأن وجود
العرب تم في سياق تاريخي معلوم، فما هو سياق وفود القبائل العربية؟ كم كانت
أعدادها؟ ما مناطق توطينها؟ وكم نسبة حضور المكون الجيني العربي اليوم في جينات المغاربة؟



أولا: ظروف
انتقال القبائل الأعرابية إلى أفريقية



إن معرفة ظروف هجرة القبائل
الأعرابية من المشرق إلى المغرب الأقصى تقتضي استيعاب أحداث القرنين الرابع
والخامس الهجريين، وهما قرنان شهد خلالهما العالم الإسلامي صراعا محتدما بين
العباسيين والفاطميين وأمويي الأندلس؛ فخلالهما سعى الفاطميون إلى إضعاف أمويي
الأندلس، وخير دليل على ذلك اصطناعهم لقبائل المغرب الأدنى وتوجيهها لمحاربة زناتة
المغرب الأقصى، ولم يتوان
الفاطميون عن توجيه حملات عسكرية إلى بلاد المغرب الأقصى
قادها خيرة قوادهم منهم: مصالة بن حبوس وبن يصليتن وجوهر الصقلي، كما سعوا إلى
التوسع شرقا في مجالات الدولة العباسية، إذ قام جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله
الفاطمي بفتح مصر سنة 358هـ، وبناء القاهرة التي أصبحت عاصمة للدولة الفاطمية بعد
انتقال الخليفة المعز لدين الله الفاطمي للاستقرار بمصر عام 362هـ.



بعد انتقال المعز لدين الله
الفاطمي من إفريقية إلى مصر، ولى على إفريقية بلكين بن زيري بن مناد، الذي توارث خَلَفُه
الحكم، فولي بعده ابنه المنصور بن بلكين سنة 373هـ، وباديس بن المنصور سنة 385هـ،
ثم المعز بن باديس الذي بويع سنة 407هـ، وسنه سبعة أعوام[4]،
غير إن المعز كان "منحرفا عن مذاهب الرافضة ومنتحلا للسنة، فأعلن بمذهبه لأول
ولايته، ولعن الرافضة، ثم صار إلى قتل من وجد منهم"، وفي سنة 440هـ أمر قطع
الدعوة للفاطمين وأمر بأن يدعى على منابر إفريقية للعباس بن عبد المطالب العباسي[5].



لم يقف الفاطميون مكتوفي
الأيدي أمام انتزاء المعز بن باديس بالسلطة وتحالفه مع خصومهم التقليديين، فالوجود
الفاطمي أصبح محاطا بخطرين جسيمين من جهتي الشرق والغرب، مما جعلهم يفكرون في
مقاربة جديدة تضمن لهم إضعاف صنهاجة للتفرغ لمواجهة العباسيين، وكان ذلك باقتطاع
أرض المغربين الأدنى والأوسط للأعراب، ولإنفاذ هذا الأمر، أمر الخليفة المستنصر
كاتبه "أن ينشر مرسوما يقضي بأن كل أعرابي يؤدي دينارا فقط يسمح له بالعبور
إلى إفريقية بكل حرية شريطة أن يحلف أنه سيعامل الأمير الثائر معاملة العدو، فكان
ذلك، وعبر نحو عشر قبائل عربية نصف سكان صحراء الجزيرة العربية وبعض بطون قبائل
اليمن، وكان عدد الرجال المحاربين يناهز خمسين ألفا ولا يكاد يحصى عدد النساء
والأطفال والبهائم"[6].



جاز الأعراب نهر النيل سنة
441هـ، واتجهوا نحو الغرب، فتوقفوا أولا لمحاصرة طرابلس حتى أخذوها عنوة ونهبوها
وقتلوا كل من أمكنهم قتله بها، ثم توجهوا إلى قابس وخربوها، وأخيرا أقاموا الحصار
على القيروان التي تحصن فيها الثائر بكل ما يحتاج إليه من زاد وغيره مدة ثمانية
أشهر[7]،
إلى أن افتتحوها ونهبوها، وفر المعز إلى المهدية متحصنا بها إلى أن مات سنة 454هـ،
وتوارث أبناؤه من بعده إمارة المهدية إلى أن قضى عليهم الموحدون نهائيا[8].



وبذلك اقتسم هؤلاء الأعراب
جميع البوادي وسكنوها وفرضوا على كل مدينة ضرائب وتكاليف جسيمة وطالوا سادة هذه
الناحية، إلى أن ظهر يوسف بن تاشفين الذي بالغ المجهود في إسعاف أقارب الثائر
الهالك، وما زال يعمل إلى أن حرر المدن من سيطرة الأعراب الذين استقروا رغم ذلك في
البوادي يقتلون وينهبون ما استطاعوا بينما بقي أهل الأمير الثائر يحكمون في أماكن
مختلفة[9].



ثانيا: توطين
القبائل الأعرابية في المغرب



ولما تولى يعقوب المنصور
الموحدي الحكم عزم على محاربة أبناء الأمير الثائر وحرمانهم من كل سلطة، فلجأ إلى
الحيلة وعقد معهم معاهدات، ثم دفع العرب إلى محاربتهم، فانتصروا عليهم دون عناء،
وبعد ذلك نقل المنصور أهم قبائل الأعراب إلى الممالك الغربية، فأسكن أشرفهم بدكالة
وأزغار، وأدناهم بنوميديا[10].



نُقل الأعراب من المغربين
الأدنى والأوسط إلى المغرب الأقصى في عهد الموحدين، فهذا المجال أصبح تابعا للدولة
المغربية خاضعا لسطوة سلاطينها، وبذلك فالموحدين لم يقفوا متفرجين على ما يلحقه
هؤلاء الأعراب من عيث وإفساد، فاقتضى نظر يعقوب المنصور نقلهم إلى المغرب وتوطينهم
في بسائطه، لكنه سرعان ما ندم على هذا الإجراء، وقد عبر عن ذلك حين احتضاره قائلا:
"ما ندمت في خلافتي إلا على ثلاث وددت أني لم أفعلها أولها إدخال العرب من
إفريقية إلى المغرب وإني أعلم أنهم أصل فساده"[11].



أدخل الموحدون أعرابا
ينتمون إلى قبائل عدة؛ منهم جشم وهلال وأثبج وزغبة ورياح وبني سليم وبني معقل، فبني
معقل "كان دخولهم إلى المغرب مع الهلاليين في عدد قليل يقال إنهم لم يبلغوا
المائتين"[12]،
ولا شك أن عددهم القليل جعلهم في موقف ضعف لم يسمح لهم بالسيطرة على مجالات المغرب
الخصبة، وهذا ما عبر عنه ابن خلدون بقوله: "واعترضهم بنو سليم فأعجزوهم (...)
ونزلوا بآخر مواطنهم مما يلي ملوية ورمال تافيلالت، وجاوروا زناتة في القفار
والغربية فعفوا وكثروا وأنبتوا في صحاري المغرب الأقصى، فعمروا رماله وتغلبوا في
فيافيه"[13]،
فلما ضعفت حكومة الموحدين، واشتد الصراع بين بني عبد المؤمن، أصبحوا سادة تلك
المناطق حتى إنهم كانوا يناجزون ولاة أمورهم، وفي شأن ذلك يقول بن أبي زرع
"اجتمع أشياخ الموحدين على بيعته [يحيى بن محمد الناصر] بعد بيعتهم للمأمون
وقتلهم العادل (...) ولم يزل يحيى ينازع المأمون وولده الرشيد إلى أن قتل بفج عبد
الله من أحواز رباط تازة، قتله عرب المعقل غدرا، وذلك في يوم الخميس الثامن
والعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وحمل رأسه إلى الرشيد
بمراكش"[14].



وبعد تلاشي حكومة الموحدين
وانهيارها، أوغلوا في بلاد المغرب حتى انتهوا إلى بلاد السوس، وكان الداعي لذلك
استدعاؤهم من طرف يدر الزكندري صاحب السوس، وفي ذلك يقول ابن خلدون "وكانت
مواطنهم [بنو مختار بن محمد] بنواحي ملوية إلى مصبه في البحر مع إخوانهم ذوي منصور
وعبيد الله إلى أن استصرخهم علي بن يدر الزكندري صاحب السوس من بعد الموحدين (...)
وكانت بينه وبين كزولة الظواعن ببسائط السوس وجباله فتنة طويلة استصرخ لها بني
مختار هؤلاء فصارخوه وارتحلوا إليه بظعونهم، وحمدوا مواطن السوس لعدم المزاحم من
الظواعن فيها فأوطنوها، وصارت مجالاتهم بقفرها وغلبوا كزولة وأصاروهم في جملتهم
ومن ظعونهم، وغلبوا على القصور التي بتلك المواطن في سوس ونول ووضعوا عليها
الأتاوات مثل تارودانت من سوس"[15].



إلا إن الحدث الذي غير مسار
تاريخ قبائل بني معقل هو قيام حكومة زناتة بني مرين، التي كانت تستوطن المجالات
الواقعة شرق المغرب الأقصى، فبعد وصول زناتة إلى الحكم انتقلت لتستقر في فاس وباقي
مدن المغرب، وبذلك تُرك المجال لأعراب بني معقل، وهذا ما عبر عنه ابن خلدون بقوله:
"فلما ملكت زناتة بلاد المغرب ودخلوا إلى الأمصار والمدن، قام هؤلاء المعقل
في القفار وتفردوا في البيداء فنموا نموا لا كفاء له، وملكوا قصور الصحراء التي
اختطها زناتة بالقفر مثل قصور السوس غربا، ثم توات، ثم جودة، ثم تامنطيت، ثم
واركلان، ثم تاسبيبت، ثم تيكورارين شرقا (...) فجاز عرب المعقل هؤلاء الأوطان في
مجالاتهم، ووضعوا عليها الاتاوات والضرائب، وصارت لهم جباية يعتدون فيها
ملكا"[16].



أما علاقتهم بحكومة
المرينيين فسادها التوتر تارة وتبادل المصالح تارة أخرى؛ وذلك تبعا لقوة المرينيين
أو وضعفهم؛ ففي بداية الحكم المريني "كان لبني مرين على هؤلاء المعقل السوس
وقائع وأيام وظهر يعقوب بن عبد الحق ببني مرين في بعضها الشبانات على بني حسان
واستلحم منهم عددا، وحاصرهم يوسف بن يعقوب بعدها فأمسكوها وأغرمهم ثمانية عشر
ألفا، وأثخن فيهم يوسف بن يعقوب ثانية سنة ست وثمانين وسبعمائة وحاربتهم جيوشه
أيضا أياما لحق بهم بنو كمي من بني عبد الواد، وخالفوا على السلطان، فترددت إليهم
العساكر واتصلت الحروب"[17]،
"ولما (...) ملك أبو علي بن السلطان أبي سعيد سجلماسة واقتطعها عن ملك أبيه
بصلح وقع على ذلك، انضوى إليه هؤلاء الأعراب أهل السوس من الشبانات وبني حسان،
ورغبوه في ملك هذه القصور فأغزاها من ثخوم وطنه بدرعة ودخل القرى عنوة (...) ثم
غلب السلطان أبو الحسن واستولى على المغرب كله، ورغبه العرب في مثلها من قصور
السوس، فبعث معهم عساكره، وقائده حسون بن إبراهيم بن عيسى من بني يرنيان فملكها،
وجبى بلاد السوس، وأقطع فيه للحرب، وساسهم في الجباية فاستقامت حاله مدة. ثم انقرض
أمر السلطان أبي الحسن فانقرض ذلك، ورجع السوس إلى حاله وهو اليوم ضاح من ظل
الدولة، والعرب يقتسمون جبايته، ورعاياه من قبائل المصامدة وصنهاجة قبائل الجباية،
والظواعن منهم يقتسمونهم خولا للعسكرة مثل كزولة مع بني حسان وزكزر ولخس من لمطة
مع الشبانات، هذه حالهم لهذا العهد"[18].



ونتيجة لهذه الأحداث
والتطورات أصبحت مواطن بني معقل تشمل المجالات الممتدة من تلمسان إلى البحر المحيط
مرورا بسجلماسة ودرعة، حسبما ذكر ابن خلدون بقوله: "هذا القبيل لهذا العهد من
أوفر قبائل العرب، ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى مجاورون لبني عامر من زغبة في
مواطنهم بقبلة تلمسان، وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب، وهم ثلاثة بطون:
ذوي عبيد الله وذوي منصور وذوي حسان؛ فدوي عبيد الله منهم هم المجاورون لبني عامر
ومواطنهم بين تلمسان وتاوريرت في التل وما يواجهها من القبلة، ومواطن ذوي منصور من
تاوريرت إلى بلاد درعة فيستولون على ملوية كلها إلى سجلماسة وعلى درعة وعلى ما يحاذيها
من التل مثل تازى وغساسة ومكناسة وفاس وبلاد تادلا والمقدر، ومواطن ذوي حسان من
درعة إلى البحر المحيط، وينزل شيوخهم بلاد نول قاعدة السوس فيستولون على السوس
الأقصى وما إليه، وينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن الملثمين من كدالة مسوفة
ولمتونة"[19].



ومع مطلع القرن
10ه/16م،هاجرت قبائل ذوي حسان المعقلية من الصحراء إلى السوس بسبب الأوبئة
والمجاعات التي حلت بالمغرب سنتي 1521 و1522[20]،
وصادف ذلك بداية الحركة السعدية التي ستعتمد على خدماتهم، وبذلك انتقل عرب المعقل
من طور البحث عن مجالات للانتجاع إلى المشاركة في بناء الدولة، إذ شكلوا سواد جيش
حكومة السعديين التي انطلقت من مجالات انتجاعهم بالسوس، فكان ملوك السعديين
"يستنفرونهم للغزو بحللهم لاعتيادهم ذلك أيام كونهم بالصحراء، ثم أنزلوهم
ببسيط آزغار مراغمة لعرب جشم من الخلط وسفيان وغيرهم، إذ كانت الخلط شيعة بني مرين
وأصهارهم (...) فلما جاءت الدولة السعدية بقوا منحرفين عنها، وكلما طرقها خلل
ثاروا عليها وخرجوا عن طاعتها، فقيض لهم السلطان محمد الشيخ السعدي هؤلاء القبائل
من معقل وزاحمهم بهم في بلدهم وشغلهم بهم فكانت تكون بينهم الحروب، فتارة تنتصف
معقل من جشم وتارة العكس حتى أوقع المنصور السعدي بالخلط وقيعته الشهيرة وأسقطهم
من الجندية"[21].



ونظرا لبلائهم الحسن في
خدمة حكومة السعديين فقد ارتبط بهم أحمد المنصور بروابط المصاهرة، فالسلطان
المذكور تزوج أمة اسمها الخيزران التي سميت باسمها قبة الخيزران بقصر البديع،
انجبت له أبي فارس والشيخ، وتزوج حرة شبانية اسمها عائشة بنت أبي بكر المعروفة
بللا الشبانية انجبت زيدان[22]،
ولعل هذه المصاهرة عضدت جانب زيدان على أخويه الشيخ وأبي فارس، فقاضي الجماعة بفاس
أبي القاسم بن أبي النعيم، ومفتيها أبي عبد الله محمد بن قاسم القصار بايعا زيدان
بفاس سنة 1012ه، بدعوى أن أولاد الإماء لا يتقدمون على أولاد الحرائر[23].



وفي سياق الصراع بين
السلطان زيدان والثائر ابن أبي محلي الذي اقتحم عليه مراكش، استنجد زيدان بيحيى بن
عبد الله الحاحي، وقد تبين من خلال جواب الحاحي عن رسالة ابن أبي محلي حضور
الشبانات إلى جانب جند الحاحي، وهذا نص الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم من
يحيى بن عبد الله إلى أحمد بن عبد الله، أما بعد فليست الأيام لا لي ولا لك إنما
هي للملك العلام، وقد أتيتك بأهل البنادق والأضرار من شبانة ومن انتهي إليهم من
بني جرار"[24]،
وقد تمكن بفضلهم يحيى الحاحي من قتل ابن أبي محلي بمراكش وتبديد جيشه سنة 1023ه[25].



ثالثا:
أعداد القبائل الأعرابية



ذكر الحسن الوزان أن
القبائل التي عبر من شبه الجزيرة العربية إلى مصر " نحو عشر قبائل عربية نصف
سكان صحراء الجزيرة العربية وبعض بطون قبائل اليمن، وكان عدد الرجال المحاربين
يناهز خمسين ألفا ولا يكاد يحصى عدد النساء والأطفال والبهائم"[26]،
ويعد هذا رقم مبالغ فيه، بالنظر إلى رواية ابن خلدون الذي حصر عدد العرب الذين
نقلهم العبيديون إلى مصر في شيعة القرامطة بقوله: "ولما تغلب شيعة ابن عبيد
الله المهدي على مصر والشام، فانتزعها العزيز منهم، وغلبهم عليها وردهم على
أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين، ونقل أشياعهم من العرب من بني هلال وسليم، فأنزلهم
بالصعيد وفي العدوة الشرقية ن بحر النيل، فأقاموا هنالك، وكان لهم اضرار
بالبلاد"[27]



 ومهما يكن فهذه القبائل استقرت أولاً بمصر، ثم
انتقل بعضها إلى أفريقية بأمر من الخليفة العبيدي، وخلال القرن السادس الهجري،
استقدم الموحدون أعداداً محدودة منها؛ فابن عذاري ذكر أن عبد المؤمن "سار حتى
وصل إلى مقربة من وهران، فطلبه عرب أفريقية في الوداع بالرجوع إلى حللهم، فأسعفهم
بذلك، ونقل منهم إلى المغرب ألفاً من كل قبيلة بعيالهم وأبنائهم وهم عرب جشم"[28]،
وأحصى ابن خلدون عدد المعقلين الداخلين إلى المغرب في أقل من مائتين، بقوله:
"وكان دخولهم إلى المغرب مع الهلاليين في عدد قليل، يقال إنهم لم يبلغوا
المائتين (...) وعددهم كما قلنا قليل؛ وإنما كثروا بمن اجتمع إليهم من القبائل من
غير نسبهم"[29].



وبذلك فأعداد العرب
الوافدين إلى المغرب كانت قليلة جداً، اندمجت في المجتمع المغربي اندماج القلة في
الكثرة، وهذا ما تكشفه اليوم الدراسات الجينية.



رابعاً: الحضور
العربي في المغرب من خلال الفحوصات الجينية



إن الروايات التاريخية لا
ترقى إلى أن تكون أدلة علمية يقينية، فكل من كتب أخبار استقدام العرب يبعد زمنيا
عن الحدث بقرون؛ استقدم العرب إلى المغرب خلال القرن السادس الهجري، في حين أن
الروايات التي أرخت له ترجع إلى مراحل متأخرة جداً؛ فابن عذاري عاش في القرن
الثامن الهجري، وابن خلدون توفي في القرن التاسع الهجري، والحسن الوزان ألف كتابه
في إيطاليا اعتماداً على ذاكرته في القرن العاشر.



وبذلك تبقى الدراسات الجينية
هي الأداة العلمية الدقيقة لحسم هذا الجدل، فبالاعتماد على دراسة جينية أجريتها
على 36 عينة، تبين أن الجينوم الطاغي بالمغرب هو جينوم شمال إفريقيا بنسبة تفوق 85
%، يليه جينوم إيبيريا بنسبة 7,70%، يليهما
جينوم إفريقيا جنوب الصحراء، ثم جينوم شبه الجزيرة العربية بنسبة 0,08
%.



هذه الدراسة الجينية
اليقينية تنسف كل المرويات التاريخية التي أصبحت بمثابة مسلمات يتداولها البعض
بغرض إثبات أكذوبة الأصل المشرقي للأمازيغ.








[1] - عبد الرحمان بن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر
ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر
، تحقيق خليل شحادة، مراجعة سهيل زكار، دار
الفكر، بيروت، 2000م، ج6. ص.120-122.







[2] - مجهول مفاخر البربر، ص.77.







[3]-  المصطفى مولاي رشيد، المغرب الأقصى عند الإغريق واللاتين القرن السادس
ق.م، القرن السابع ب.م
، ص.44.







[4]  ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص.323.







[5]  ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص.303.







[6]  الحسن الوزان، وصف إفريقيا، ج1، ص.64.







[7]  الحسن الوزان، وصف إفريقيا، ج1، ص.64.







[8]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص.31.







[9]  الحسن الوزان، وصف إفريقيا، ج1، ص.46.







[10]  الحسن الوزان، وصف إفريقيا، ج1، ص.47.







[11]  ابن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب، ص.230.







[12]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص.77.







[13]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص.77.







[14]  ابن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب بروض
القرطاس، ص ص.248-249.







[15]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص.91.







[16]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص.78.







[17]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص.92.







[18]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص.92.







[19]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص.77.







[20]  محمد الأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات في
القرنين الثامن والتاسع عشر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط،
سلسلة رسائل وأطروحات رقم 18، الرباط، الطبعة الأولى، 1992، ص.126.







[21]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص ص.50-51.







[22]  الإفراني، نزهة الحادي، ص.284.







[23]  الإفراني، نزهة الحادي، ص.284.







[24]  عبد الوهاب بنمنصور، قبائل المغرب، ص427.







[25]  عبد الوهاب بنمنصور، قبائل المغرب، ص427.







[26]  الحسن الوزان، وصف إفريقيا، ج1، ص.64.







[27]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص.18.







[28]  ابن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب، ص.199.







[29]  ابن خلدون، العبر، ج6، ص ص.77-78.

5 تعليقات

  1. غير معرف7/29/2023

    شكرا لك ذكتور على المعلومات القيمة

    ردحذف
  2. مشكور دكتور على المجهود

    ردحذف
  3. غير معرف7/31/2023

    ⵜⴰⵏⵎⵎⵉⵔⵜ ⵎⴰⵙⵙ ⴽⵓⵍⵍⴰⴱ

    ردحذف
  4. غير معرف7/31/2023

    Thank you very much doctor for the much more needed information for us and the next generation, continue the good work

    ردحذف
  5. غير معرف7/31/2023

    رقم 2 هو قول لابن حزم في كتاب جمهرة أنساب العرب

    ردحذف
أحدث أقدم