المغرب يحاصر سبتة وإسبانيا تقنبل طنجة

قام المغرب بمحاولات كثيرة لاسترجاع مدينة سبتة، خاصة في عهدي السلطانين المولى إسماعيل ومولاي اليزيد

أولا: حصار المولى إسماعيل مدينة سبتة (1694-1727)

أمر المولى إسماعيل عامله الباشا علي بن عبد الله الريفي والقائد أحمد بن حد بالنهوض لحصار سبتة سنة 1694م، فتوجها إليها بالجيوش، وحاصروها، وأردفهم السلطان بعسكر من عبيده، وأمر قبائل الجبال أن يعينوا حصة عن كل قبيلة بالرباط عليها، وأمر أهل فاس أن يوجهوا حصتهم، فكان عدد المرابطين عليها خمسة وعشرين ألفا، والقتال لا ينقطع صباحا ولا مساء.

وأثناء الحصار الذي طالته مدته، نما إلى علم السلطان أن القواد القائمين على حصار سبتة لم يجتهدوا في فتحها لئلا يتوجهوا إلى حصار البريجة، ويبعدوا عن أولادهم وبلادهم لما سئموه من السفر، ومشقة الحركة.

ونتيجة لتراخي قادة الجيش المغربي المحاصر لسبتة، خرج الجيش الإسباني المرابط في سبتة بجيوش كثيرة، وأوقعوا بالمحاصرين سنة 1720م، وقعة كبيرة مات فيها خلق كثير، على ما كان بيد المسلمين، وكان بها حادث عظيم، قتل خلالها ثلاثة آلاف مغربي. بعد ذلك وجه السلطان بالمدد من جميع الأقطار، فاستخلصوا منهم ما كانوا قد استولوا عليه، وردوهم على أعقابهم (الحلل البهية، ج1، ص.325).

ثانيا: سيدي محمد بن عبد الله 1759م

مر سيدي محمد بن عبد الله بسبتة سنة 1759م، فتأملها، وتحقق منعتها أنه لا يدركها إلا بالجد، وكان غرضه الأقوى الوقوف عليها، واختبار حالها (الحلل البهية، ج2، ص.27-28)، وتجدر الإشارة إلى إن سيدي محمد بن عبد الله أبرم معاهدات للتجارة والسلم مع إسبانيا عطلت جهود المغرب الرامية إلى استرجاع الثغور المحتلة، ففي عام اربعة وثمانين ومائة والف توجه محمد بن عبــد الله لحصار مليلة، وفي أول عام خمسة وثمانين ومائة والف ابتدأ برمي مليلية بالمدافع والمهاريز (...) وحاربها اياما فكتب اليه امير دولة الاصبــان يقول اننا عقدنا المهادنة بــرا لا بحـرا وهذا عقد الشروط الذي اتى به كاتبكم الغــزال تحت ايدينا فاجابه سيدي محمد بن عبد الله بما محصلته اننا لم نجعل المهادنة في بر وانما جعلناها معكم في البحـر فوجه الامير المذكور عقد الصلح فاذا هو عام برا وبحرا فكف عن محاربتهم (الاتحاف، ص.169).

ثالثا: المولى اليزيد وسبتة 1790م

أما المولى اليزيد فقد كان يتشوف إلى استرجاع سبتة منذ كان مقيما بضريح عبد السلام بن مشيش من يوليوز 1789 إلى 16 أبريل 1790، يقول يان بوتوتسكي "أنه طوال مقامه ذاك كان يدعو الله أن يمنحه البركة كي يسترجع سبتة من الكفار" (رحلة في إمبراطورية المغرب)، بعد تولي اليزيد الحكم نكل بكل من ارتاب في صلته مع الإسبان، فقد استدعى اليهودي يعقوب بن عطال، فقتله ببندقيته، وقطع رأسه، وعلقه على باب طنجة لأنه كان يسمسر مع الإسبان، ثم استدعى قناصل الدول المقيمين بطنجة للمثول أمام حضرته بتطوان، فلما مثل القنصل الإسباني، قال له الإمبراطور المغربي، أخرج من ممالكي أنت ومفاوضوك، ومنحهم ستة أشهر لكي يكملوا حساباتهم، ويغادروا المملكة الشريفة، وفي السياق ذاته، قتل بيده حاكم طنجة واثنين آخرين شك في تجسسهما لصالح الإسبان، فعلق رأسيهما في شرفة "دار إسبانيا". (رحلة ص.121).

بعد قضاء السلطان على المتعاونين مع الإسبان، ذهب إلى معسكره بسبتة، فحاصرها وأقبل على حربها بكليته، وقدمها على جميع مهماته، فأخذ بمخنقها، وحارها من كل طريق، وتمكن من نكايتها.

قامت إسبانيا بقصف طنجة لثني الإمبراطور على حصار سبتة وقصفها، وقد سجل لنا يان بوتوتسكي وهو شاهد عيان لأحداث حصار اليزيد لسبتة وقصف إسبانيا لطنجة، وفق الترتيب الزمني الآتي:

-22 غشت 1791م، أرسلت إسبانيا أسطولا لقنبلة طنجة، وأن السكان يتسلحون ويتدربون على المدافع.

-23 غشت 1791م، قنبلة اليزيد لسبتة وسقوط عدد كثير من القتلى في صفوف الإسبان.

-23 غشت 1791م، ورود أخبار من قادس عن تحضير إسبانيا أسطولا لقنبلة طنجة.

-24 غشت 1791م، هجوم مركبان إسبانيان على مدينة طنجة، ردت عليهما مدافع المرسى.

-25 غشت 1791م، بدأ الإسبان برمي القنابل على طنجة.

-26 غشت 1791م، انسحب الإسبان وراء كاب سبارتيل.

وفي هذه الأثناء يقول يوتوتسكي، لم يكن الإمبراطور كثير القلق، بما أنه يجد لذة في إلقاء القنابل على سبتة فلن تربكه تلك التي تضرب هنا [طنجة] (رحلة، ص.144).

توفي المولى اليزيد بمدينة مراكش سنة 1792م، وضاع حلم المغاربة في استرجاع سبتة السليبة، ولاشك أن ملف سبتة قد عاد إلى الواجهة من جديد، وأن السياق التاريخي الحالي يدفع إلى ضرورة الضغط على إسبانيا اقتصاديا وديبلوماسيا لاسترجاع مدينة سبتة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم