شرح الميثاق الوطني للتربية والتكوين


رغم الإصلاحات التي قام بها المغرب في ميدان التعليم منذ الاستقلال، إلا إن الوضعية العامة للمنظومة التربوية عرفت تأزما، تجلى ذلك في تدمر مختلف الأطراف المعنية من الوضع المتأزم الذي وصلت إليه المدرسة المغربية. هذا الوضع دفع الملك الحسن الثاني إلى تعيين لجنة ملكية لإصلاح التعليم برئاسة مستشاره مزيان بلفقيه، وضعت هذه اللجنة مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999، وكانت المدة المقترحة لتنزيله هي تمتد من 1999 إلى 2009، وهي المدة التي اصطلح عليها بعشرية الإصلاح.
السؤال المطروح: ما مكونات ومضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟
يتكون الميثاق الوطني للتربية والتكوين من قسمين؛ القسم الأول يتحدث عن المبادئ الأساسية، أما القسم الثاني فيتناول مجالات التجديد.
القسم الأول: المبادئ الأساسية
ينص الميثاق الوطني للتربية والتكوين على مبادئ أساسية تمت صياغتها كما يأتي:
1-المرتكزات الثابتة
تتمثل في مبادئ العقيدة الإسلامية، والإيمان بالله، وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية، والتوفيق الإيجابي بين الوفاء للأصالة والتطلع الدائم للمعاصرة، وامتلاك ناصية العلوم والتكنولوجيا المتقدمة.
2-الغايات الكبرى
تتمثل في اعتماد نهج تربوي يجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي، وانفتاح المدرسة على محيطها باستحضار المجتمع في قلب المدرسة والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن، وانفتاح الجامعة وجعلها قاطرة للتنمية، وجعل المتعلم في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية لذلك على نظام التربية والتكوين أن ينهض بالوظائف الآتية: منح الأفراد فرصة اكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية، وتزويد المجتمع بالكفاءات من المؤهلين والعاملين الصالحين للإسهام في البناء المتواصل لوطنهم على جميع المستويات، وتزويد المجتمع بصفوة من العلماء وأطر التدبير ذات المقدرة على ريادة نهضة البلاد عبر مدارج التقدم العلمي والتقني والاقتصادي والثقافي.
3-حقوق وواجبات الأفراد والجماعات
-حقوق المتعلمين: ينص الميثاق على احترام حقوق المتعلم في جميع مرافق التربية والتكوين، وتحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في التعليم.
-واجبات الجماعات: ينص الميثاق على إسهام الجماعات المحلية بواجبات الشراكة مع الدولة في مجهود التربية والتكوين، وتحمل الأعباء المرتبطة بالتعميم وتحسين الجودة، وكذا المشاركة في التدبير.
-واجبات الأسرة: استحضار دور الأسرة باعتبارها المؤسسة التربوية الأولى التي تؤثر إلى حد بعيد في تنشئة الأطفال وإعدادهم للتمدرس الناجح.
-حقوق وواجبات المدرسين: للمربين والمدرسين على المتعلمين وآبائهم وأوليائهم وعلى المجتمع برمته حق التكريم والتشريف لمهمتهم النبيلة وحق العناية الجادة بظروف عملهم وبأحوالهم الاجتماعية، ولهم على الدولة حق الاستفادة من تكوين أساسي متين ومن فرص التكوين المستمر. وعليهم واجبات اتجاه المتعلمين؛ منها: جعل مصلحة المتعلمين فوق كل اعتبار، وإعطائهم المثال والقدوة في المظهر والسلوك والاجتهاد والفضول الفكري والروح النقدية البناءة، عليهم أيضا التزام الموضوعية والإنصاف في التقويمات والامتحانات ومعاملة الجميع على قدم المساواة.
4-التعبئة الوطنية لتجديد المدرسة
لتعبئة المجتمع للعمل على إصلاح التعليم، نص الميثاق على: اعتبار العشرية 2000-2009 عشرية وطنية للتربية والتكوين، واعتبار قطاع التربية والتكوين أول أسبقية وطنية بعد الوحدة الترابية، وإيلائه عناية قصوى في التخطيط والإنجاز والتتبع والتقويم والتصحيح، والدعوة على انخراط كل الشركاء المعنيين بقطاع التربية والتكوين في مواصلة الجهد الجماعي من أجل تحقيق أهداف إصلاح التربية والتكوين.
القسم الثاني: مجالات للتجديد ودعامات التغيير
المجال الأول: نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي
الدعامة الأولى: تعميم تعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب
يقصد بتعميم التعليم تعميم تربية جيدة على ناشئة المغرب بالأولي من سن 4 إلى 6 سنوات وبالابتدائي والإعدادي من 6 سنوات إلى 15 سنة، مع فرض إلزاميته من تمام السنة السادسة من العمر إلى تمام الخامسة عشرة منه.
الدعامة الثانية: التربية غير النظامية ومحاربة الأمية
-محاربة الأمية: وضع المغرب كهدف تقليص النسبة العامة للأمية من 20% في أفق عام 2010 على أن تواصل البلاد المحو شبه التام لهذه الآفة في أفق 2015.
-التربية غير النظامية: وضع برنامج وطني شامل للتربية غير النظامية وتنفيذه، يهدف إلى محو أمية اليافعين والبالغين من 8 إلى 16 سنة من العمر، وذلك قبل متم العشرية الوطنية للتربية والتكوين، ويلزم السعي لإكسابهم المعارف الضرورية وإعطائهم فرصة ثانية للاندماج أو إعادة الاندماج في أسلاك التربية والتكوين، وذلك بوضع جسور تسمح لهم بالالتحاق بهذه الأسلاك.
الدعامة الثالثة: السعي إلى تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي
يتم ذلك من خلال:
-إحداث شبكات التربية والتكوين: التي تتمثل غايتها في تكليف مؤسسات التعليم العام بالجوانب النظرية والأكاديمية، وإحالة الأشغال التطبيقية والدروس التكنولوجية على مؤسسات التعليم التقني والمهني.
-إحداث الممرات بين التربية والتكوين والحياة العملية: من خلال: توجيه التلاميذ غير الحاصلين على دبلوم التعلم الإعدادي نحو التكوين المهني يتوج بشهادة التخصص المهني، وتوجيه التلاميذ في نهاية التعليم الثانوي إلى التكوين المهني للحصول على دبلوم تقني، وتوجيه الحاصلين على البكالوريا إلى الجامعة أو مؤسسات التكوين لاستكمال تكوينهم التقني المتخصص يتوج بدبلوم التقني المتخصص.
-انفتاح المدرسة على محيطها وعلى الآفاق الإبداعية: من خلال تعاون مؤسسات التربية والتكوين مع المؤسسات العمومية والخاصة للمساهمة في تدعيم الجانب التطبيقي للتعلم، وذلك من خلال: تبادل الزيارات الإعلامية والاستطلاعية، وتنويع المعدات والوسائل الديداكتيكية، وتنظيم تمارين تطبيقية وتداريب، والتعاون على تنظيم أنشطة تربوية وتكوينية.
-التمرس والتكوين بالتناوب: يقصد بالتمرس التكوين الذي يتم داخل المقاولة بنسبة الثلثين أو أكثر من مدته ويرتكز على علاقة تعاقد بين المشغل والمتعلم أو ولي أمره الشرعي، ويتم على مستويين: في أواخر التعليم الإعدادي لاكتساب تخصص مهني، وفي مستوى التأهيلي لاكتساب مهارات مهنية والتأقلم مع واقع الشغل. أما التكوين بالتناوب فيتم بكيفية متوازنة على العموم بين المقاولة ومؤسسة التربية والتكوين في إطار شراكة.
-التكوين المستمر: يساهم في تلبية حاجات المقاولات من الكفايات، ويساهم في ضمان تنافسية النسيج الإنتاجي، مما يؤدي إلى تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمتعلمين.
المجال الثاني: التنظيم البيداغوجي
الدعامة الرابعة: إعادة الهيكلة وتنظيم أطوار التربية والتكوين
تنتظم الهيكلة التربوية على الشكل الآتي:
-الابتدائي: دمج التعليم الأولي والتعليم الابتدائي لتشكيل سيرورة تربوية منسجمة تسمى الابتدائي، مدتها ثمان سنوات، وتتكون من سلكين، هما: السلك الأساسي الذي يشمل التعليم الأولي، والسلك الأول من الابتدائي من جهة والسلك المتوسط الذي سيتكون من السلك الثاني للابتدائي من جهة ثانية.
-الثانوي: دمج التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي لتشكيل سيرورة تربوية متناسقة تسمى الثانوي، مدتها ست سنوات، وتتكون من سلك الثانوي الإعدادي وسلك الثانوي التأهيلي.
الدعامة الخامسة: التقويم والامتحانات
ينظم التقويم والامتحانات والانتقال على مستوى التعليم الأولي والتعليم الابتدائي كما يأتي:
-الأولي: 
ينتقل الأطفال بطريقة آلية من السنة الأولى إلى السنة الثانية من التعليم الأولي.
يخضع الأطفال في نهاية التعليم الأولي لتقويم طفيف ينظم على مستوى المدرسة يمكنهم من ولوج المدرسة الابتدائية.
-الابتدائي: 
يتم الانتقال من السنة الأولى إلى السنة الثانية من السلك الأول بالمدرسة الابتدائية على أساس المراقبة المستمرة.
يتم التدرج عبر السنوات الأربع للسلك الثاني من المدرسة الابتدائية على أساس المراقبة المستمرة.
في نهاية السلك الثاني ابتدائي يجتاز التلاميذ امتحانا موحدا تنظمه السلطات التربوية الإقليمية يتوج بالحصول على شهادة الدروس الابتدائية ويخول لهم الالتحاق بالسلك الثانوي الإعدادي.
-الثانوي الإعدادي:
يتم الانتقال من سنة إلى أخرى باعتماد نظام المراقبة المستمرة إلى غاية نهاية السلك.
يجتاز التلميذ في نهاية السلك الإعدادي امتحانا موحدا ينظم على الصعيد الجهوي من أجل نيل دبلوم التعليم الإعدادي.
-الثانوي التأهيلي
على مستوى التعليم الثانوي العام يتم الانتقال من سنة لأخرى على أساس المراقبة المستمرة.
امتحان موحد على الصعيد الوطني ينظم في آخر السنة النهائية للمسلك تحتسب نتائجه بنسبة 50 في النقطة النهائية.
امتحان موحد على الصعيد الجهوي ينظم في ختام السنة الأولى تحتسب نتائجه بنسبة 25 في النتائج النهائية.
مراقبة مستمرة لمواد السنة الختامية للمسلك تحتسب نتائجها بنسبة 25 في النتائج النهائية.
يتوج هذا المسلك ببكالوريا التعليم العام.
الدعامة السادسة: التوجيه التربوي والمهني
التوجيه التربوي جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين.
التوجيه التربوي وظيفة للمواكبة وتيسير النضج والميول وملكات المتعلمين واختياراتهم التربوية والمهنية، وإعادة توجيههم كلما دعت الضرورة إلى ذلك ابتداء من السنة الثانية من المدرسة الاعدادية إلى التعليم العالي.
اختيارات المتعلمين التربوية والمهنية تتم باتفاق مع المستشارين في التوجيه والأساتذة وبالنسبة للقاصرين منهم بموافقة آبائهم أو أوليائهم.
توزيع المستشارين: يتم تعيين مستشار واحد في التوجيه على الأقل على صعيد كل شبكة محلية للتربية والتكوين، وفي مرحلة لاحقة على صعيد كل مؤسسة للتعليم الثانوي.
مسؤوليات مستشار التوجيه: إعلام المتعلمين وأوليائهم حول امكانات الدراسة والشغل، وتقويم القدرات وصعوبات التعلم، وإسداء المشورة بشأن عملية الدعم البيداغوجي الضرورية، ومساعدة من يرغبون في بلورة اختياراتهم في التوجيه ومشاريعهم الشخصية.

بقلم: د عبد الخالق كلاب

إرسال تعليق

أحدث أقدم