المنهج والمنهاج والبرنامج

الفرق بين المنهج والمنهاج والبرنامج
جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مجاله الثالث: الرفع من جودة التربية والتكوين، الدعامة السابعة، بضرورة مراجعة البرامج والمناهج والكتب الدراسية والوسائط التعليمية لتحقيق الأهداف العامة والغايات الكبرى التي سطرها الميثاق والمتوخاة منه، لكن الذي يتبادر لذهن كل قارئ عادي عند دراسة المناهج والبرامج هو، ما الفرق بين المنهاج والبرنامج؟ (ونقصد هنا المنهاج الدراسي) بل قد يتجاوز هذا السؤال لطرح سؤال آخر هو، بماذا يتميز المنهاج عن البرنامج؟ وخاصة وأن هناك من الكتابات أو الاستعمالات ما يخلط بينه وبين غيره من المفاهيم كتلك التي تقترب منه على مستوى التسمية كالمنهج أو المنهجية، أو كتلك التي تمس جانبا أو جوانب من القضايا التي يهتم بها كالبرنامج، لذلك اخترنا أن نعطي لكل مفهوم تعريفا شاملا لتوضيح اللبس القائم بين التعريفات وتقريب القارئ من العلاقة بين المنهاج والبرنامج.

1- المنهج: La méthode

المنهج، حسب موسوعة لالاند، هو مجهود لبلوغ غاية، وهو طريقة نصل من خلالها وبها إلى نتيجة معينة حتى وإن كانت هذه الطريقة لم تتحدد من قبل تحديدا إراديا، كما أنه أيضا خطة تنظم مسبقا سلسلة عمليات ينبغي إكمالها، وتدل على بعض الأخطاء الواجب تجنبها بغية نتيجة معينة. وهو أيضا مجموع المراحل أو الخطوات التي تتبع من طرف الباحث في دراسة موضوع ما أو ظاهرة من الظواهر كيفما كان مجال انتمائها (فيزيائية، رياضية، بيولوجية، إيكولوجية، سوسيولوجية، سيكولوجية...). في هذا الإطار تتعدد المناهج بحسب طبيعة الظاهرة المدروسة والأغراض الأساسية المحددة من الدراسة والإمكانات الميدانية المتاحة للباحث، فنجد مثلا المنهج الوصفي والمنهج العلمي والمنهج التاريخي والمنهج التركيبي والمنهج الذاتي والمنهج الكمي والمنهج المقارن... وهو بوجه عام، وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة.

2- المنهاج: Curriculum

المنهاج ويقابله Curriculum مشتق من أصل لاثيني يعني ميدان السباق. أما على المستوى الاصطلاحي، فيعرف المنهاج عادة بأنه خطة عامة تنظم عملية التدريس، وهو يشمل بالدراسة المدخلات والمخرجات وما بينهما من عمليات تربوية أساسية لا يمكن الاستغناء عنها. وهو أيضا سلسلة من الوحدات موضوعة بكيفية تجعل تعلم كل وحدة يمكن أن يتم انطلاقا من فعل واحد، شريطة أن يكون التلميذ قد تحكم في القدرات الموصوفة في الوحدات المخصصة السابقة داخل المقطع. أما في المعجم الفلسفي لجميل صليبا، فيعرف بأنه خطة الدراسة لمجموعة من المواد الدراسية والخبرات العملية والموضوعة لتحقيق أهداف تربوية، وهو يشتمل على مجموعتين أساسيتين، أولهما المعلومات المستمدة من التراث الثقافي من جهة ما هي ذات قيمة موضوعية، وثانيهما مجموع الخبرات التي يمارسها الطفل بنفسه.
قالمنهاج الدراسي إذن منطوق مقاصد التكوين. ويتضمن الغايات والأهداف والمحتويات ووصف لنظام التقويم وتخطيط الأنشطة والآثار المتوقعة فيما يهم تغيير المواقف وسلوكات الأفراد أثناء التكوين (...) وهو لائحة محتويات التخصصات المدرسية المراد تحصيلها المبنية بناء منطقيا للمعارف المدرسة وسيرورات التعلم والتقويم. كما أنه مجموع مصاغ وفق غايات ومحتويات وكفايات وطرق بيداغوجية.

3- البرنامج: Le programme

يتداخل مفهوم البرنامج (أو المقرر) الدراسي مع المنهاج الدراسي، فالبرنامج بشكل عام، هو لائحة المواد الواجب تدريسها مصحوبة بتعليمات تبررها وتقدم مؤشرات حول الطريقة أو المقاربة التي ينظر إليها مؤلفوها بأنها الأحسن أو الأكثر دقة لتدريس تلك المحتويات. وهو تفصيل الدروس والأنشطة مصحوبة بالتوزيع الزمني، كما أنه التنبؤ بما سيدرس في مستوى دراسي معين وفي تخصص معين وفي زمن معين، فهو يستهدف كل تخصص على حدى وكل مستوى على حدى. ويجري تدريسه على مدى سنة دراسية وتحديده يكون من طرف الوزارة المعنية. ويرتبط البرنامج بالمحتوى (وهو أحد مكونات المنهاج التعليمي) المراد تبليغه للمتعلمين، وهو يشمل في العادة جردا بالموضوعات التي يتعين دراستها في مادة تعليمية ما خلال فترة زمنية معينة تحدد في الغالب في سنة دراسية بكاملها. ويقدم البرنامج إما على شكل مواضيع متسلسلة ومرتبة بحسب ارتباطها فيما بينها أو بحسب علاقتها وانسجامها مع موضوعات مواد تعليمية أخرى، وإما على شكل محاور عامة يتناول كل واحد منها من زوايا مختلفة: علمية وفنية واجتماعية وخلقية ولغوية إلخ.
من خلال هذه التعاريف التي حاولنا بها التقريب بشكل شمولي المفاهيم والعلاقة بينها، يتضح أن المنهاج التعليمي هو أهم وسائل التربية التي يعتمد عليها في تحقيق الغايات والأهداف العامة، وذلك عن طريق الخبرات التعليمية المنظمة في خطة واضحة وهادفة في محتوياتها وطرائقها ووسائلها الموظفة، يستهدف منها دائما إحداث التغييرات المطلوبة في شخصية المتعلم معرفيا ووجدانيا ومهاريا.
إن المنهاج التعليمي خطة شمولية تتكامل فيها عناصر عدة تسعى كلها إلى تحقيق عملية التدريس. وهذه الخطة تستمد معطياتها في الأصل من عدد من الأسس يرتبط بعضها بما هو فلسفي عام يوجه نحو الانطلاق من نموذج الإنسان الذي يستهدف تكوينه، وأيضا وربما في نفس الوقت من نموذج المجتمع الذي سنعلم الأفراد له وداخله. ويرتبط بجزء رابع بالمعرفة التي تنتجها العلوم على اختلافها، والتي يتعين ألا تتعارض المناهج التعليمية معها إعدادا وتنفيذا.
نقلا عن دفاتر التربية والتكوين عدد مزدوج 6-7

إرسال تعليق

أحدث أقدم