التحكم هو تحويل القوة إلى حق والطاعة إلى واجب

الحلقة الأولى من سلسلة حلقات التنوير: "التحكم هو تحويل القوة إلى حق والطاعة إلى واجب"


لا يكون الأقوى قويا بما فيه الكفاية، مطلقا، حتى يكون سيدا دائما، ما لم يحول قوته إلى حق وطاعته إلى واجب، ومن ثم كان حق الأقوى، هذا الحق الذي يتلقى بسخرية ظاهرا والذي يوضع كمبدإ حقيقة، ولكن أليس علينا أن نوضح هذه الكلمة؟ إن القوة طاقة فزياوية، ولا أرى أي أدب يمكن أن ينشأ عن معلولاتها، والإذعان للقوة هو عمل ضرورة، ولا عمل إرادة، وهو أثر حذر غالبا، وما المعنى الذي يحمل به هذا الواجب؟
ولنفترض هذا الحق المزعوم هنيهة، فأقول إنه لا ينشأ عنه غير هراء يتعذر تفسيره، وذلك إذا كانت القوة هي التي تصنع الحق فإن المعلول يتغير يتغير العلة، وتخلف الأولى في حقها كل قوة تقهرها، ومتى أمكن العصيان بلا عقاب صار العصيان شرعيا، وبما أن الحق يكون بجانب الأقوى دائما فإن الأمر الوحيد الذي يهم هو أن يسار بما يصار به الأقوى، ولكن ما الحق الذي يزول بانقطاع القوة؟ وإذا ما لزمت الطاعة قهرا لم تكن هنالك ضرورة إليها عن واجب، وإذا عدنا غير مكرهين على الطاعة عدنا غير محمولين عليها، ولذا ترى أن كلمة "الحق" هذه لا تضيف إلى القوة شيئا، لذا فهي لا معنى لها هنا أبدا.
وأطيعوا السلطات، فإذا كان معنى هذا: أذعنوا للقوة، فالمبدا صالح، لكنه هادر، أجبت بأنه لا ينقض مطلقا، واعترف بأن كل سلطان يأتي من الرب، غير كل مرض يأتي منه أيضا، وهل يقصد بهذا حظر دعوة الطبيب؟ وإذا ما فاجاني قاطع طريق في زاوية من غابة وجب علي أن اعطي كيسي قسرا، ولكن هل أكون ملزما وجدانا بأن أعطيع إياه إذا كنت قادرا على منعه منه؟ وذلك لأن السلاح الذي يحمله هو سلطة أيضا.
ولنعترف، إذن بأن القوة لا تخلق الحق، وبأننا غير ملزمين بغير الطاعة للسلطات الشرعية، وهكذا فإن مسألتي الأولى ترجع دائما.
شذرات من كتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو

إرسال تعليق

أحدث أقدم