المدرسة المنهجية l'école méthodique


عبد الخالق كلاب

 المدرسة المنهجية l'école méthodique

1: نبذة تاريخية

ظهرت المدرسة المنهجية (الوضعانية) في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة، ووضعت مبادؤها الأساسية في:
-le manifeste;écrit par G. Monod; pour lancer la revue historique.
-Le guide; rédigé a l'intention des étudiants par Ch-V.Langlois et Ch.seignobos en 1898

وقد سعت المدرسة المنهجية إلى بحث علمي بعيد عن السجالات الفلسفية توخيا للموضوعية المطلقة في كتابة التاريخ، وذلك عبر اعتماد تقنيات صارمة تتعلق بجرد المصادر، ونقد الوثائق، وتنظيم المهمات.

2: خطاب المنهج

حسب ch-v.langlois  وch.seignobos التاريخ هو الاشتغال على الوثيقة، ويقتضي ذلك وجود علاقة بين الذات (المؤرخ) والموضوع (الوثيقة).
ما هي الوثيقة ؟
هي عبارة عن مراسلات، ومخطوطات، ومواقع أثرية تعكس الحياة الاقتصادية والبنيات الاجتماعية والتنظيم العسكري [...] وهذه الآثار عندما تنتج ناذرا ما تعمر، إذ يكفي حدوث طارئ لتدميرها، وكل فعل أو فكر لم تبق آثاره فهو مفقود بالنسبة للمؤرخ الوضعاني خاصة ونحن نعلم أن التاريخ لا يوفر إلا مخزونا محدودا من الوثائق التي تتعرض مع الوقت إلى الإتلاف، لذا فان المهمة ذات الأولوية بالنسبة للمؤرخ الوضعاني هي جمع الوثائق، لذلك عمل أصحاب المدرسة المنهجية خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على حماية الوثائق من النسيان والضياع والحرق وجميع أنواع التخريب وحفظها في مستودعات مثل:
-British Muséum de Londres
-Les bibliothèque nationales de paris; Bruxelles; florence ou Saint-Petresbourg.

بعد جمع وحفظ الوثيقة وتصنيفها تخضع لسلسلة من العمليات التحليلية والتركيبية هي:

أ: العمليات التحليلية

- النقد الداخلي:
  • معرفة مصدر الوثيقة وظروف إنتاجها
  • التحقق من أصالة الوثيقة عن طريق paléographie
  • تحديد تاريخ ومكان الوثيقة
- النقد الخارجي:
  • تلخيص المعطيات الأساسية الواردة في الوثيقة.
  • تحليل محتوى الوثيقة ونقدها نقدا ايجابيا لمحاولة معرفة ما يرمي إليه صاحب النص.
  • تحليل الظروف التي أنتجت فيها الوثيقة.

ب: العمليات التركيبية

عند انتهاء العمليات التحليلية تفتح الطريق أمام العمليات التركيبية، ومن الأفضل التدرج عبر المراحل التالية:
- المرحلة الأولى: تقتضي مقارنة عدة وثائق للوصول إلى حقيقة معينة.
- المرحلة الثانية: تقود إلى تجميع الحقائق المعزولة في أطر عامة: تجميع الحقائق المتعلقة بالظروف الطبيعية: الجغرافيا والمناخ... الإنتاج المادي: الفلاحة والصناعة والتجارة...المجموعات: العائلات والعشائر والمهن والطبقات...المؤسسات السياسية: الحكومة والعدل والإدارة.
-    المرحلة الثالثة: استعمال المنطق الاستنتاجي أو القياسي لربط الحقائق فيما بينها لسد ثغرات الوثائق.
-    المرحلة الرابعة: تفضي إلى الأخذ باختيار من الأحداث الشاملة.

3: علاقة المدرسة الوضعانية بالسياسة

تأثرت المدرسة المنهجية بالواقع السياسي الذي عاشته فرنسا فحاولت تبرير:
- تبرير واقع الصراع بين فرنسا وألمانيا؛ إذ أصبحت الكتب المدرسية تبرز للأطفال أن الحرب مطلوبة لاستئناف المفاوضات والحفاظ على السلام، وأنه في كل الأحوال تبقى الحر ب الدفاعية حربا مشروعة، وقد جاء في أحد الكتب المدرسية "guiot et mane" نص يفيد ذلك: "الحرب هذا البلاء، هذا القاتل يصبح شيئا مقدسا إذا هدد الأجنبي حدودنا".
-تبرير الاستعمار؛ إذ أخذت الكتب المدرسية التبريرات الرسمية لتفسير العمليات العسكرية في تونس ومدغشقر و المغرب...وإبراز دور فرنسا في إدخال الشعوب إلى الحضارة، جاء في كتاب "lavisse" : "فرنسا تريد أن يكون صغار العرب هم أيضا جد مأذبين مثلهم مثل صغار الفرنسيين، مما يبرز سخاء فرنسا اتجاه الشعوب التي تخضعها".

4: الموضوعية

سعت المدرسة المنهجية إلى الموضوعية المطلقة في كتابة التاريخ لكن أمام هذا الواقع السياسي يصعب الحديث عن الموضوعية التاريخية إلا أنه من مسلمات هذه المدرسة حسب Van Ranke ومن قواعدها:
- القاعدة الأولى: لا يحق للمؤرخ إصدار حكم على الماضي، بل كتابة ما حدث بالفعل.
- القاعدة الثانية: لا يوجد ترابط بين الذات العارفة (المؤرخ) وموضوع المعرفة (الحقيقة التاريخية). وينبغي على المؤرخ أن يتحرر من الشروط الاجتماعية ليسمح له أن يكون نزيها في تصوره للأحداث.
- القاعدة الثالثة: التاريخ في حد ذاته يوجد موضوعيا.
- القاعدة الرابعة: العلاقة الإدراكية متطابقة بشكل آلي؛ والمؤرخ يسجل الحقيقة التاريخية بشكل موضوعي كالمرآة عندما تعكس صورة شئ ما وكآلة التصوير التي توقف هيئة شئ ما.
- القاعدة الخامسة: مهمة المؤرخ هي تجميع عدد كاف من الحقائق معتمدا على وثائق موثوقة.
وبذلك يمكن الوصول إلى الحقيقة انطلاقا من الوثيقة التاريخية وبعيدا عن اقحام الذات في الموضوع.

إرسال تعليق

أحدث أقدم