نظريات التعلم: نظرية الجشطلت

النظرية الجشطلتية

نشأت نظرية "الجشطلت" بألمانيا في بداية القرن العشرين (بين 1910-1920) على يد علماء الفيزياء Kohler وKoffka وWeirtheimer حيث ركز هؤلاء العلماء على دراساتهم حول عملية الإدراك سواء عند الإنسان أم عند الحيوان، واعتبروا أن الإنسان لا يدرك العناصر الجزئية -الذرات- أولا، ثم يقوم بالتركيب بينها كما هو الشأن عند الترابطين، وإنما يدرك على العكس من ذلك البنيات الكلية أو الأشكال العامة les structures d'ensemble حيث أن عبارة Gestalt الألمانية تعني البنية أو الشكل الكلي، وذلك طبقا لنظرية المجال الكهروميغناطيسي le champ électromagnétique.
النظرية التعلم الجشطلتية
إن هذه النظرية تتعارض تماما مع كل من الفلسفة الترابطية والنظرية السلوكية لاعتمادها على تجزيء التصرف الإنساني إلى وحدات صغرى. ولتوضيح فكرة الإدراك الكلي نقدم المثال التالي:
إذا نظرنا مثلا إلى كلمة أحمد أو إلى العدد 1998، فنحن ندرك في الوهلة الأولى البنية الكلية، فنقرأ في المثال الأول أحمد، وقد يحيلنا هذا الإسم إلى شخص نعرفه أو إلى فرد من العائلة... فنحن لا ندرك الحروف التي تكون هذا الإسم: "أ" "حـ" "مـ" "د" كجزئيات أو ذرات متناثرة، ثم نقوم بالربط بينها طبقا لقانون أرسطو وهو "التجاور في المكان" حتى يتسنى لنا تحديد هذا المفهوم الذي هو "أحمد". نفس الشيء بالنسبة للمثال الثاني، حيث نقرأ مباشرة 1998، إذ ندركها -بصريا- كذلك عبارة عن بنية كلية قد تحيلنا إلى السنة المعنية أو إلى شيء آخر. فنحن لا ندرك الأرقام المكونة للعدد واحدا تلو الآخر ثم نقوم بالربط بينها حتى تكون العدد -البنية- ولكن البنية هي التي تفرض نفسها على الإدراك.
إضافة إلى هذا، فاسم "أحمد" لا يتخذ معناه فقط من خلال مجموع الحروف التي تكونه، إذ أن الكل ليس هو مجرد مجموع الأجزاء، وإنما هو مجموع الأجزاء إضافة إلى العلاقات الداخلية الموجودة بين هذه الأجزاء. فهذه العلاقات الداخلية هي التي تحد لنا دلالة البنية ومفهومها. فإذا قمنا مثلا بالاحتفاظ بنفس الأجزاء: "أ، حـ، مـ، د" ثم أحدثنا تغييرا داخليا في العلاقة التي تجمع بينها، مثال "د، أ، مـ،ح" سوف يفقد الإسم معناه ولن يدل على أي شيء. نفس الحالة بالنسبة للعدد "1998" فإذا ما نحن غيرنا البنية الداخلية، أي التوازن الداخلي بين الأرقام، فسيتغير كل شيء.
من هذين المثالين البسيطين، يتضح لنا مدى أهمية الإدراك الكلي، ومدى أهمية التوازن الداخلي بين عناصر البنية. إن خاصية البنية الكلية وأهميتها في عملية الإدراك تتجلى كذلك في الأشكال الهندسية التي تخضع لعلاقات مكانية خاصة les relations spatiales spécifiques. إن الفكرة الأساسية في نظرية الجشطلت هي أن الأنظمة الذهنية sysèmes les mentaux لا تكون أبدا من خلال تركيب أو ترابط الوحدات في حالتها الجزئية [...]، وإنما تتجلى دائما في مجموعات منظمة منذ البداية على شكل صيغة أو بنية، لذلك فإن إدراكا ما لا يعتبر بمثابة تركيب بين إحساسات مسبقة: إنه منظم، وفي جميع المستويات بواسطة مجال un champ يتميز بالتداخل بين جميع وخداته، نظرا لأنها تدرك على شكل مجموع. فمثلا إذا نظرنا إلى نقطة واحدة سوداء على ورقة بيضاء أو العكس، فهذه النقطة لا تدرك كوحدة منعزلة، حتى ولو كانت واحدة، لأنها تستخلص بصفتها شكلا une forme يوجد على أرضية un fond تتمثل في الورقة، وأن هذه العلاقة شكل/أرضية تستدعي تنظيم المجال البصري le champ visuel بأكمله.
إن عمليتي الإدراك والفهم هنا وبالتالي عملية التعلم، لا يجب أن تنطلق من الجزئيات إلى الكل، كما هو الشأن عند الفلاسفة الترابطيين، وإنما يتم التعلم من خلال الحدس المباشر insight للعلاقات الداخلية التي تحكم "كلا" معينا أو " بنية" أو شكلا هندسيا ما. فحسب هذه النظرية، ليست وحدات أو أجزاء "المجال" هي التي تحمل معنى معينا، وإنما يتحدد هذا المعنى من خلال العلاقات الموجودة بين هذه الأجزاء، أي من خلال التنظيم الفيزيائي لموضوع التعلم. لذلك وعلى المستوى البيداغوجي، يجب أن تهتم عملية التدريس بتوفير وتخطيط العلاقات الداخلية عن المواضيع التي ستشكل موضوع عملية التعلم الذي ينتج عن عملية الحدس، حيث تتيح للفرد إمكانية الفهم المباشر وإيجاد الحل المناسب. إن تنظيم مادة التعلم توفر للفرد كذلك فرصة تشغيل الإمكانيات الذهنية التي يتوفر عليها من خلال قدرته على تنظيم وضعية التعلم.
ويقدم Clausse المثال التالي حول عملية تنظيم موضوع التعلم وقدرة التلميذ على كشف -حدس- المبدأ التنظيمي كما يلي:
14916
25364
96481
فحسب Clausse يمكن أن يتم التعلم من خلال هذا المثال -حفظ هذه الأعداد- دون الكشف عن مبدإ التنظيم الداخلي، بالإعتماد فقط على مبدإ "المحاولة والخطإ". لكن هذه الخطة سوف تتطلب وقتا طويلا، وأن عملية الاحتفاظ بهذه الإعداد يمكن أن تكون ضئيلة، أما إذا استطاع التلميذ الكشف عن مبدإ التنظيم الداخلي لهذه الأعداد، سيتم التعلم في وقت وجيز جدا وستدوم عملية الاحتفاظ بهذه الأعداد لمدة طويلة، بل على الدوام.
سلسلة التكوين التربوي
مواضيع ذات صلة بنظرية التعلم الجشطلتية
-  نظرية التعلم بالموازنة (البنائية)
- النظرية المعرفية
- النظرية السلوكية
- النظرية المجالية
- النظرية السوسيوبنائية

إرسال تعليق

أحدث أقدم