اتفاقية للامغنية المعتمدة في المغرب مزورة

 اتفاقية للامغنية
إن وثيقة اتفاقية الحدادة الموقعة بين النائب السلطاني حميدة بن علي السجعي والنائب الفرنسي الجنرال الكونت دولاروا سنة 1845، والمحفوظة عند قاضي وجدة، هي النسخة التي نقلها علي السوسي السملالي كاملة في رحلته. وقد تنبه لهذا الأمر لأول مرة الباحث أحمد العماري في تحقيقه لمنتهى النقول ومشتهى العقول، وهي الرحلة التي دونها الفقيه السملالي بأمر من السلطان الحسن، وقد كان ضمن أعضاء البعثة التي صحبت المولى عرفة للحدود الشرقية لتسوية الخلافات مع فرنسا، حيث تم اللقاء بين الطرفين في إيش سنة 1884.
الملاحظ أن المعاهدة التي نقلها علي بن محمد السوسي السملالي تتضمن فقط ستة بنود، وليس سبعة كما هو مشهور في النسخ المتداولة في المراجع المغربية والمصادر الفرنسية. وهذا الاختلاف دقيق وهام جدا، ويطرح أكثر من سؤال حول مدى صحة الاتفاقية السباعية البنود المعتمدة اليوم في الكتب المدرسية وفي الأبحاث الجامعية، فالاتفاقية السداسية التي أوردها علي السملالي هي الاتفاقية المعدلة التي وقع عليها السلطان عبد الرحمان ووافق عليها، أما النسخة التي تتضمن الشروط السبعة فنظن أنها المسودة الأولى من الاتفاقية التي تمت بين النائبين المغربي والفرنسي . ومن المعلوم أن السلطان عبد الرحمان لما اطلع عليها اشتد غضبه، وسخط على نائبه حميدة ومرافقه في المفاوضات للتفريط الذي وقع منهما، واعتبرهما عديمي الذمة، وقد أرسل رسالة في الموضوع إلى بوسلهام بن علي بتاريخ 1261هـ يقول فيها: "وبعد: فإن حميدة بن علي عامل وجدة مع الطالب أحمد خضر قد خدعهما نائب عدو الدين فيما كلفناهما به من الوقوف معه على الحدود، وغرهما على عاداته، وبذل الطمع حتى أدخل في الحد طرفا وافرا من بلاد قبائل إيالتنا السعيدة لناحية بلاد إيالة الجزائر، وغرهما حتى طبع له حميدة على الرسم الذي أتى به...ونحن لم نرض ذلك، ولا نوافق على تسليم بلاد قبائل إيالتنا...فأعلم قونصو.. الفرنصيص بذلك لئلا يعتقد تسليمنا لما فعلوا خداعا ومكرا" .
يتضح من نص الرسالة أن السلطان عبد الرحمان لم يوافق على اتفاقية الحدود، وبالأخص ما يتعلق بتنازل حميدة السجعي عن مواضع كانت تابعة للايالة المغربية منذ العهد السعدي. فالمفاوض المغربي أبان عن تهاون وتفريط في الأراضي المغربية؛ فقد سلم العديد من القصور للفرنسيين لجهله بحدود امتداد المجال المغربي في المنطقة الجنوبية الشرقية، بل أدى به جهله إلى مسايرة المفاوض الفرنسي في تقسيم قبائلها إلى شرقية وغربية، وهو الأمر الذي رفضه السلطان، إذ كتب بهذا الخصوص مرة أخرى إلى بوسلهام بن علي يؤكد فيها امتناعه التوقيع على ما جاء فيها، بقوله:" فلم نطبع ولا نفعل في المستقبل..وإنما طبع عليه حميدة فقط، فاشرع.. ولاتأل جهدا في فسخ ما عقد الطماعان الساقطا الهمة..، وقد توجه أصحاب البلد المجاورين ليقفوا على حدود بلادهم، ويستظهروا برسومهم...حتى في كتاب التفويض ذكرنا أن الحدود تكون على ما كانت عليه أيام دولة الترك.." . وقد ظل السلطان يرفض الموافقة على الاتفاقية ويطالب بمراجعتها، وعندما طلبت السفارة الفرنسية حضور المفاوضين المغربيين ومعهما نسخة من الإتفاقية مصادق عليها من السلطان لتقع مبادلتها مع تلك المصادق عليها من ملِك فرنسا رفض، معتبرا أمر الحدود مُعلَّقا، وقد اشتد الضغط الفرنسي على السلطان عبد الرحمان ليصادق على الاتفاقية، لدرجة التهديد بقنبلة الموانيء المغربية واحتلال مدينة وجدة إذا رفض، فأعلن قبوله المصادقة على الشروط التي لا ضرر فيها على المغرب، وهو ما يوضحه نص هذه الرسالة: "وها نحن جددنا نسخة من النسخة التي طبع عليها حميدة حرفا بحرف وحذفنا منها الفصول التي لم نأدن في ذكرها ولا الكلام فيها، وهو المجاورة في أمر التجارة وما تعلق بها..وزدنا أن أمضينا ما كان على حدود الترك المعلومة ونرفع الخلاف...وما وقع فيه الزيادة تكون المراجعة فيه، فاطلعه على النسخة..فإن قبلها نختم عليها...وإن لم يقبل فلم يبق معه كلام، والسلام" .
لم يوقع السلطان عبد الرحمان على اتفاقية الحدود إلا بعد إدخال تغييرات عليها، وهو ما تؤكده الرسائل السابقة. ونظن أنه حذف بندا من الإتفاقية السباعية، وهو الشرط السادس بها، ومضمونه "أن الأرض التي هي قبلة قصور الفريقين في الصحراء لا ماء فيها فلا تحتاج للتحديد لكونها أرض فلاة" ، فهذا الشرط غير موجود في النسخة التي وجدها علي السملالي عند قاضي وجدة. وهي نسخة عتيقة كما ذكر. وقد وقف على نسخة ثانية منها عند كبير قصر زناكة وفيها أيضا الشروط الستة. ومن المعلوم أن هذا الشرط الذي جعل المناطق بين قصور الطرفين مجالا مختلطا، كان في صالح فرنسا باعتبارها الدولة الأقوى في الصراع؛ فقد استطاعت بالتدريج السيطرة على أغلب الأراضي المشتركة بينها وبين المغرب، بالاغتصاب والقوة تارة، وبالتحايل وتأويل بنود معاهدة للامغنية بما يخدم مصالحها تارة أخرى ، وقد امتد هذا الاغتصاب ليشمل المجال الممتد بين فكيك وتوات، بحجة أنها أرض خالية، والحاصل أن الطريق بينهما كلها مياه وقصور ونخيل.
وبهذا يسجل المؤلف علي السملالي نسخة نادرة من اتفاقية للامغنية، وهي مكونة من ستة بنود وليس سبعة، كما هو في باقي المصادر الأخرى. المرجع: خالد طحطح، علي بن محمد السوسي السملالي: بيوغرافيا ثقافية، أطروحة دكتوراه نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، صيف 2014. مرقونة لحد الآن.
من تدوينة لطحطح على الفيس بوك

إرسال تعليق

أحدث أقدم